المساء
مؤمن الهباء
الإدارة .. ثم الإدارة
في الاجتماع التحضيري لمؤتمر "الاستثمار في الصعيد" وأمام 12 محافظا بالإضافة إلي وزير التنمية المحلية قال أشرف سالمان وزير الاستثمار إن الصعيد غني بموارده ولا يعاني من فقر وإنما يعاني من سوء الإدارة.. ولكي تكتمل الحقيقة كان يجب علي سالمان أن يعترف بأن مصر كلها لا تعاني من فقر ولكن من سوء الإدارة.
نعم.. مشكلتنا الكبري هي الإدارة.. ثم الإدارة.. هذا كلام ليس جديداً..وليس مفاجئاً.. إنما هو كلام متجدد ومطروح بصفة دائمة..ومع ذلك لم يغير من واقعنا شيئا.. الدنيا من حولنا تتغير وتنتفض وتتطور ونحن نجري في مكاننا.. نقف دائما عند البدايات.. وإذا تحركنا نتحرك للخلف.. البدايات عندنا رائعة ومبشرة..لكن سرعان ما نصاب بالملل ونركن إلي الرتابة والكسل.. ونفقد قوة الدفع.. والسبب في ذلك يرجع إلي سوء الإدارة.
والإدارة لا تعني فقط الوزير أو الرئيس.. وإنما تعني منظومة الإدارة مكتملة..ومستويات الإدارة المختلفة.. وقبل ذلك وبعده القوانين واللوائح التي تعمل في إطارها هذه الإدارة.. وتحكم عملها.
قد تكون الإدارة فاشلة.. وقد نري الفشل بأعيننا.. لكننا ــ للأسف ــ درجنا علي ألا ننتقد أية إدارة في مواجهتها.. بإرادتنا أو بغير إرادتنا.. وإنما ننتقدها بعد أن ترحل وينتهي أمرها.. وبالتالي يصبح النقد مجرد لغو إلي أن تأخذ وقتها وترحل هي الأخري فيقال عنها ما قيل عن سابقتها وأكثر.. وهكذا.
كل وزير أو رئيس أو مدير يأتي إلي موقع جديد لابد أن يبتديء بانتقاد من سبقه.. وتسفيه أدائه بكلام مباشر أو غير مباشر.. وتنحية الخطط والاستراتيجيات التي كان يسير عليها.. والإطاحة بمساعديه.. دون أن يدرس الواقع ويعرف تفاصيله والمعوقات التي تعترضه.. ثم يملأ الدنيا ضجيجا بأنه سيأتي بما لم يأت به الأولون.. وسيصلح كل معوج.. وتمضي الأيام والشهور والسنون تباعاً دون أن يحقق شيئا مما وعد به.. وربما أفسد وخرب وأساء الإدارة وأساء استخدام السلطة.. لكن أحداً لا يحاسبه علي ما يفعل.
ولا أحد ينتقد الإدارة في وجودها.. وفي مواجهتها.. ولو حدث هذا بعلانية وشفافية لتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا.. ولو أننا اعتدنا علي ثقافة النقد.. كيف نمارسها وكيف نتقبلها ونتفاعل معها ونستفيد منها لصارت عندنا إدارة رشيدة..ولما بكينا دائماً علي اللبن المسكوب.
في يوم الاثنين الماضي شهد رئيس الوزراء أول رحلة قطار مصري مكيف.. وهذا القطار يتكون من ثلاث عربات درجة أولي مكيفة بالاضافة إلي عربة بوفيه وخمس عربات درجة ثانية مكيفة والتدخين ممنوع طبقا للقانون بجميع عربات القطار.. وصاحب هذه الرحلة كلام كثير عن النقلة الحضارية التي بدأت.
حسناً.. لكن ماذا تتوقع لهذه البداية الجيدة؟!.. إلي متي ستستمر.. وهل سيتم تطويرها وتحسينها والبناء عليها؟!.. وإذا حدث ــ لا سمح الله وفشلت من المسئول ومن المحاسب؟!
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي دعتنا وزارة النقل لرحلة مماثلة إلي الاسكندرية علي متن قطار جديد مكيف..وكانت العربات في غاية الفخامة.. والخدمة علي أعلي مستوي.. ولكن سرعان ما اندثر القطار حتي وصلنا إلي الحالة التي نحن عليها.. دون أية محاسبة لأي مسئول.. اللهم إلا إذا كان المقصود ذلك المدير المباشر الغلبان الذي لا يملك رصد ميزانية ولا يملك حتي سلطة نقل موظف.
مشكلة الإدارة في الحقيقة مشكلة ثقافة عامة وسياسة عامة.. مشكلة تخطيط وقوانين وتدريب وميزانيات ومحاسبة مستمرة.. فهل الإدارة قادرة علي تحمل ذلك؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف