د. أحمد جاد منصور
لماذا هذا الجدل العقيم حول قانون مكافحة الإرهاب؟
منذ أن صدر قانون مكافحة الإرهاب الأسبوع الماضي ليفعل قدرة الدولة ورجال انفاذ القانون علي مواجهة هذا الإرهاب الأسود والقضاء عليه.. نجد أن هنالك بعض الأشخاص والأقلام تنتقد هذا القانون بزعم أنه إهدار للحقوق والحريات وعودة إلي النظام التسلطي وإهدار للديمقراطية.. وغير ذلك من التعبيرات التي سئمنا منها جميعاً لأننا نعي جيداً أهدافها الحقيقية ومن وراءها.
ورغبة في ايضاح حقيقة الأمر سوف ألقي الضوء في هذا المقال علي أمرين محددين الأول هو ايجابيات هذا القانون.. والثاني توضيح مواضع النقد والهجوم وما يثار في هذا الشأن والرد عليه.
وبادئ ذي بدء نقرر أن قانون مكافحة الإرهاب قانون موضوعي لأنه تضمن النص علي التجريم والعقوبات لكل الجرائم الإرهابية.. كما أنه قانون اجرائي لأنه تضمن النص علي الاجراءات والقواعد والشروط التي يتعين علي مأمور الضبط القضائي اتباعها أثناء قيامه بمكافحة الإرهاب في اطار الالتزام بهذا القانون.
ومن ايجابيات هذا القانون أنه تدارك جميع الملاحظات التي سبق أن أبداها المجلس الأعلي للقضاء. والتي تتمثل في الابقاء علي فترة الطعن "60 يوما" بعد أن كان مشروع القانون ينص علي أن تكون "40 يوماً" كما تم الغاء ضرورة تصدي محكمة النقض للطعن وبالتالي مازال لها الحق في احالة النقض مرة أخري إلي دائرة من دوائر الجنايات لاعادة المحاكمة مرة أخري زيادة في الضمانات التي يتمتع بها المتهم في القضية.
كما تم الاستغناء عن فكرة استحداث محاكم خاصة لنظر قضايا الإرهاب وتم الاكتفاء بتخصيص دوائر لنظر تلك القضايا علي غرار المحاكم الاقتصادية. ومحاكم الأسرة وغيرها من المحاكم المتخصصة وأيضاً استمر الوضع علي ماهو عليه من حيث اعتبار الحكم غيابياً طالما المتهم هارباً ورغم حضور محاميه.. حيث كان المشروع يقضي باعتبار الحكم حضورياً طالما حضر المحامي جلسات المحاكمة.
وتجدر الاشارة أيضاً إلي أن القانون لم ينص علي عقوبة حبس الصحفيين.. علي عكس ما كان موجوداً في المشروع من تطبيق عقوبة الحبس سنتين علي كل من تعمد نشر أخبار غير صحيحة.. واكتفي القانون بعقوبة الغرامة "200 500 ألف جنيه".. ومع ذلك نجد أيضاً من يتحدث عن أن الغرامة كبيرة.. هل يعقل هذا الكلام.. أليس من المنطق أن نراعي اعتبارات الحفاظ علي الأمن القومي للبلاد ضد كل من يتعمد الاخلال والاضرار بأمن مصر.. نحن نتحدث فقط عن من يتعمد أي يقصد ولا نتحدث عن من يخطيء بحسن نية أو من يهمل أو من لا يعلم.. وهنالك فارق كبير بين الأمرين.
وهنالك نقاط ايجابية كثيرة أخري في القانون.. ومن لا يصدق عليه أن يطلع علي قوانين مكافحة الإرهاب في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا منذ عام 2000 وتعديلاتها المتتالية حتي يوليو الماضي سوف يجد أن هذه الدول وغيرها أصبحت تتسابق جميعاً في تعديل قوانينها بما يغلب حماية الأمن القومي للبلاد وعلي حساب الحقوق والحريات بعدما تأكد أن الحديث عن تلك الحريات أصبح في غالبه غطاء يستخدم لتحقيق أهداف سياسية واستعمارية.
ورغم أن المشرع أثناء صياغته لنصوص قانون الإرهاب المصري كان نصب عينيه العديد من قوانين الدول الأخري واقتبس منها بعض المواد والقواعد الموضوعية والاجرائية لمكافحة الإرهاب.. ورغم حرص المشرع علي احداث التوازن بين الحفاظ علي حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية وبين الحفاظ علي الأمن القومي للبلاد.. إلا أننا نلاحظ أن بعض الشخصيات لا تري أي ايجابيات في هذا القانون وتركز تركيزاً شديداً علي بعض المواد بزعم أنها تنطوي علي تهديد أكيد للحقوق والحريات وأنها ضد الممارسة الديمقراطية.
فنجد من يتحدث مثلاً عن المادة "8" التي تعطي صلاحيات لرجل الشرطة لحماية نفسه من خطر محدق يوشك أن يقع علي النفس والمال.. وتقرر المادة أنه لا يسأل قانوناً عن هذا الفعل ولكن بضوابط تتمثل في توافر حالة الضرورة وأن يكون تصرفه ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر. ومع ذلك نجد البعض يقرر أن رجال الشرطة أصبحوا خارج اطار المساءلة.. وأن هذا الأمر سيزيد من تجاوزات الشرطة.
هذا قول حق يراد به باطل لأن هذه الصلاحيات مقيدة بضوابط وتخضع لرقابة القضاء. وإذا تبين وجود تجاوز في استعمالها سوف يخضع رجال الشرطة للمسئولية الجنائية والمدنية والإدارية.
بالله عليكم كفاكم زيفاً ألم نكتف بهذا العدد الهائل من شهدائنا الأبرار من رجالات الشرطة والقوات المسلحة والمواطنين الأبرياء.. هل تنكرون علي أبنائكم من رجال انفاذ القانون أن يكون لهم سند قانوني في حماية أرواحهم وأرواح وأموال غيرهم من المواطنين.
ونجد أيضاً من يتحدث عن المادة "53" من القانون التي تمنح صلاحيات لرئيس الجمهورية متي قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليه كوارث بيئية.. ومن ذلك سلطته في اتخاذ قرارات لاتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة علي الأمن والنظام العام.. وهذا كله مرهون بضوابط وشروط معينة ومنصوص عليها في المادة ذاتها.. ومع ذلك نجد هنالك من يصر علي الربط بين هذا الأمر وبين حالة الطواريء ويروج أن هذا إعادة احياء لقانون الطواريء واهدار للحريات والدولة الديمقراطية.
وأؤكد لك عزيزي القاريء أن هذا الكلام عار تماماً عن الصحة لأن سند رئيس الجمهورية في هذه المادة مستمد من الدستور في مادته "156".. وليس من حالة الطواريء التي ورد النص عليها في المادة "154" من الدستور.. وهذه القرارات لها ضوابط صارمة حتي يمكن اصدارها وهي في النهاية مجرد قرارات إدارية عليه الطعن عليها بالالغاء والتعويض أمام محاكم مجلس الدولة.
أوجه كلمة ختامية لكل الدول التي تعلق بالسلب علي هذا القانون وأقول لهم التفتوا إلي أنفسكم وكفاكم زيفاً وكذباً فالأمر أصبح مكشوفاً تماماً لكل المواطنين الشرفاء.. لقد سئمنا فعلاً من هذه الأجندات وأصابتنا حالة من "القرف" الشديد.
عزيزي القاريء إن البرلمان بعد شهور قليلة سيقوم بمراجعة هذا القانون وغيره من القوانين التي صدرت منذ حل البرلمان السابق. ومازالت المحكمة الدستورية العليا قائمة ويمكن الطعن أمامها علي أي مادة من مواد هذا القانون.. دعونا نعمل من أجل التنمية وتحقيق الأمن والأمان.. ولا نلقي بالاً لهذه المهاترات التي لا تريد الخير لمصر.. حمي الله مصر وحفظ شعبها العظيم.