ينشط حزب دعاة الاستبداد بقوة هذه الأيام.. يجتهد أشد الاجتهاد لاغلاق نوافذ الحرية واطفاء مصابيح الضياء.. يستفزهم الصوت الآخر والرأي الآخر مهما كان خافتاًً.. لا يريدون أن يسمعوا إلا أصواتهم ولا يروا إلا آراءهم.. يتصورون أنهم يمتلكون الحقيقة الكاملة واليقين الكامل.. وأنهم يحملون مفاتيح الوطنية.. يزايدون علي الحكومة والداخلية.. ويطاردون من لا يسير علي هواهم بالبلاغات حتي تخلو الساحة لهم.. يفرحون لإقصاء المنافسين.. ويبتهجون لغلق صحيفة أو منع برنامج.
وقد شهدت الفترة الأخيرة مئات البلاغات المقدمة من نشطاء هذا الحزب ضد كل صوت يخالفهم.. أو حتي يتصوروا أنه يخالفهم.. ويظنون أنهم بذلك يحسنون صنعاً.. يخدمون الدولة ويساعدون علي الاستقرار.. بينما هم في الحقيقة يجرون الدولة سنوات طويلة إلي الخلف ويشعلون فيها الفتن.
وكثيراً ما أقحموا القضاء في ملفات يغلب عليها الطابع السياسي.. وبلغوا في ذلك مبلغاً لم يسبق له مثيل.. حتي صارت بلاغاتهم التي تنشرها الصحف يومياً تمثل ظاهرة فريدة.. فساهموا بشكل أو بآخر في إرباك المشهد داخلياً.. فضلاً عن تشويه صورة مصر خارجياً.
وكانت آخر عجائب حزب دعاة الاستبداد تلك الدعوي المرفوعة أمام القضاء الإداري ضد الحكومة من أجل أن تحجب موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" علي الإنترنت.. لكن محكمة القضاء الإداري قضت بعدم قبول الدعوي.. ووجهت من خلال حيثيات الحكم رسالة بالغة الأهمية إلي دعاة الاستبداد حتي يدركوا أن في مصر قضاء ينتصر للحرية حتي تظل النوافذ مفتوحة والمصابيح مضاءة.
الحجة التي استندت إليها دعوي حظر "فيسبوك" تدعي أن بعض الصفحات تنشر معلومات وأخباراً كاذبة عن الدولة وأجهزتها.. وبعضها يتضمن سباً وتشهيراً بسلطات الدولة.. فقالت المحكمة رداً علي ذلك إن "تلك الوقائع التي تبثها تلك الصفحات وإن شكلت في جانب كبير منها جرائم جنائية يعاقب عليها قانوناً.. فإن السبيل الأمثل لمواجهة تلك الصفحات يكون من خلال مساءلة أصحابها جنائياً.. أخذاً في الاعتبار أن المواقع لا تؤثر بذاتها علي مقتضيات الأمن الوطني والنظام العام.
وأضافت المحكمة في رسالتها إن "سلامة الأمن الوطني للبلاد لا يحققه إلا تعبير السلطة الحاكمة الصادق عن آمال وطموحات الشعب وفقاً للعقد الاجتماعي الذي قام النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي علي دعائمه وكذا احترام حقوق المواطنين وحرياتهم".
ولمزيد من التوضيح قالت المحكمة إن "سلامة الأمن الوطني لا تكون بتقطيع أوصال المجتمع وفصله عن بعضه البعض وعزل مواطنيه في جزر متباعدة.. وأن الأمن يعني التواصل والتشاور والحوار.. ولا يملك أحد في مجتمع ديمقراطي أن يدعي الحق الحصري في صيانة أمن المجتمع الذي يحافظ عليه جموع المجتمع بالتواصل والتشاور والتحاور".
وأكثر من ذلك أشارت المحكمة إلي أنه بات واجباً علي الدولة توفير بيئة ثقافية ومعرفية تضمن تبادل المعلومات والمعارف بشتي صورها وأنواعها دون حجب أو منع أو قطع لوسائل الاتصالات المؤدية لذلك.. وأولي تلك الوسائل بلا شك مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينها "فيسبوك" الذي يتضمن العديد من الصفحات التي تساهم في ارساء روح المعرفة وتبادل المعلومات في شتي مناحي الحياة.
وأكدت المحكمة أن رقابة الأشخاص الذاتية لمواقع التواصل الاجتماعي هي أنجح الطرق لعلاج ما قد يعتري بعض ممارسات مستخدمي تلك المواقع من خروج علي المألوف من الأمور.. موضحة أن هذه الرقابة لا تدعم إلا بالحرية المسئولة.. كما حملت المحكمة أجهزة الإعلام والصحافة مسئولية رفع مستوي الخدمة الإعلامية والتعبير الأكمل عن حاجات الشعب السياسية والاجتماعية والثقافية.
أعرف أن هذه الرسالة ليست علي هوي دعاة الاستبداد.. لكني أرجوهم إن كانوا يحبون مصر حقيقة أن يقارنوا بين صورتها داخلياً وخارجياً بهذا الحكم.. وبين صورتها لو صدر ــ لا قدر الله ــ حكم آخر بحجب وحظر ومنع الفيسبوك.
تري.. ماذا سنقول للعالم ساعتها.. وماذا سيقول العالم عنا؟!