الأخبار
يوسف القعيد
نهاية جريدة يومية
في اليوم الأول من سبتمبر القادم ستختفي من الأسواق جريدة التحرير اليومية التي أكملت خمس سنوات من عمرها. وهي تصدر منتظمة. وحسب ما قاله المهندس أكمل قرطام، صاحب الجريدة لزميلنا محمود رمزي من جريدة المصري اليوم أن أحداً في الدولة المصرية لم يطلب منه إغلاق الجريدة. وأنه لو حدث هذا لن يسمح به.
أما عن أسباب إغلاقها. فيري صاحبها أنها بلا إعلانات طوال العامين الماضيين. وأنه أنفق مبالغ مالية ضخمة علي تطوير الجريدة منذ شرائها لتكون علي أعلي مستوي. لكن للأسف كان هذا بلا عائد. ثم يؤكد أن توزيع الصحف في مصر في تراجع مخيف. بسبب عدم حب المواطن المصري للقراءة. ولم يتعد توزيع الصحف في الفترة الأخيرة 600 ألف نسخة. وهذا رقم هزيل في دولة تجاوز عدد سكانها 90 مليون مواطن. الأمر الذي يحتم علي الدولة التدخل ودعم الصحف للحفاظ علي هذه الصناعة المهمة. وعدم احتكار الصحف القومية للإعلانات المهمة.
يشكو أكمل قرطام - والكلام علي لسانه يمثل وجهة نظره فقط - أن خلافات التحرير كانت وراء تراجع توزيع الصحيفة. وأنه طلب من إدارة التحرير تطوير المحتوي الصحفي الذي تقدمه للقارئ. والاعتماد علي السبق الصحفي دون استجابة. وأنه كان يتمني أن تصبح التحرير لسان حال الثورة.
أمران مهمان بقيا فيما قاله أكرم قرطام. الأول: أن بوابة التحرير الإخبارية مستمرة. وأن العالم أصبح يهتم بالصحافة الإليكترونية. وهذا سبب في تراجع الصحف الورقية. وأنه لا مساس بحقوق الصحفيين لأنهم وسام علي صدره. وأنه شكل لجنة لتطبيق قراره بإيقاف نشر الجريدة الورقية ابتداء من أول سبتمبر.
وقد عرفت أكمل قرطام في الصالون الثقافي للدكتور أحمد العزبي. وأعرف أن له حزباً سياسياً هو حزب المحافظين. وأن حزبه يقوم بدور ثقافي أحياناً. لكن ما لا يدركه أكمل قرطام أن مجرد فكرة إغلاق جريدة مسألة محزنة. ومهما تم الحفاظ علي حقوق الصحفيين والإداريين والفنيين. فلا شئ يساوي أن يصحو الصحفي صباحاً فيكتشف أن جريدته التي كان يعمل بها لم يبق لها وجود. وأنها تحولت إلي ذكري. ما أقصده الصحفي الذي يتعامل مع المهنة علي أنها رسالة. وطريقة وحيدة للتعامل مع العالم وليست مجرد وظيفة تحفظ له لقمة العيش.
أيضاً هناك تناقض في كلامه. ففي الوقت الذي يعلن توقف التحرير. فهو يقول أن جريدة الأهم الأسبوعية مستمرة في الصدور. وأنا لا أعتقد أنها صدرت. ويبدو أنه فكر في إصدارها كبديل لجريدة التحرير. وما دام هناك البحث عن بديل ورقي. ألم يكن من الأفضل استمرار التحرير بدلاً من إغلاقه لتصدر صحيفة أخري مع ترحيبي التام بصدور الأهم كصحيفة جديدة. لأنها تعني نوافذ للحرية ومساحات للقلم وساحات لإبداء الرأي والرأي الآخر. واستمرار الحوار الخلاق في المجتمع المصري.
نشأت التحرير برئاسة تحرير إبراهيم عيسي. الذي أنشأ عدداً كبيراً من الجرائد اليومية والأسبوعية يمكن القول أنها كانت ناجحة. ثم تركها إبراهيم عيسي ليؤسس جريدة المقال. التي أعتبرها من أهم المطبوعات المصرية التي تحقق رؤية جديدة للقرون الأربعة الأولي من تاريخ الإسلام السياسي والمجتمعي والعلمي والحضاري.
تولي رئاسة تحريرها بعده إبراهيم منصور. وقد تعاملت معه أكثر من مرة. وهو صحفي هادئ. يزن الأمور بموضوعية. لكن لا أدري السبب في عزوف الإعلانات عن جريدة كنت أراها ناجحة وأحرص علي متابعتها كل صباح. ثم انضم إليها قبل إغلاقها بفترة قصيرة أنور الهواري. وقيل أنه سيصدر عدداً أسبوعياً منها. في حين يتولي إبراهيم منصور العدد اليومي.
لكن هذا العدد الأسبوعي لم يصدر. ويبدو أن ازدواج رئاسة التحرير- رغم قصر مدته- أدي إلي ارتباك زائد في الجريدة. وصل بها إلي توقفها. ثم إن الإعلانات ليست مسئولية رئيس التحرير. بقدر ما هي مسئولية الإدارة التي تدير العمل في الجريدة. وعدم وجود إعلانات ليس شهادة أن الجريدة ليست جيدة. ووجود إعلانات كثيرة ليس معناه أنه جريدة جيدة.
من عاداتي الوقوف أمام باعة الصحف في شوارع مدينة نصر. وأستهول حجم المرتجعات التي تنتظر سيارات التوزيع لكي تحملها. من المؤكد أننا نعاني من أزمة توزيع صحف يومية وأسبوعية وشهرية. ولذلك أدعو نقيب الصحفيين الصديق يحيي قلاش ورئيس المجلس الأعلي للصحافة الصديق جلال عارف للتفكير جدياً في طريقة ما لتناول هذه الأزمة التي تهدد المهنة.
عندما أقابل الأستاذ هيكل أسمع أرقاماً مذهلة عن توزيع الصحف المصرية في ستينيات القرن الماضي. وكان عدد المصريين أقل من نصف عددهم الآن. فلم وصلنا إلي ما وصلنا إليه؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف