المساء
مؤمن الهباء
حكاية "بوست"
شدني "البوست" المنشور علي فيسبوك.. ليس فقط بسبب جدية القضية التي يطرحها.. وإنما أيضا بسبب التعليقات التي تلقاها.. والتي وصلت إلي 8 آلاف تعليق.. هذه التعليقات تتضمن آراء مختلفة ومتناقضة.. وتعالج القضايا من زوايا متعددة.. وهو ما أثري النقاش وجعله جديراً بالمتابعة والتدقيق.. وتلك واحدة من مميزات الحرية الفيسبوكية.
يتحدث "البوست" عن هجرة العقول المصرية النابغة واستقرارها في الخارج.. وضع صاحب البوست صورة لقصاصة صحفية بأسماء أوائل الثانوية العامة في بورسعيد عام ..1988 وهو واحد منهم.. ثم كتب أين هم الآن.. مهندس بأمريكا.. طبيب بأمريكا.. طبيب بفرنسا.. مهندس مدني يعمل بين دبي وعمان وقطر.. طبيب بانجلترا.. مهندس بترول في أبو ظبي.. طبيب قضي خارج مصر 12 عاماً وعاد مؤخراً وسط نصائح كثيرة بعدم الرجوع.. مهندس اتصالات حصل علي الجنسية الكندية ورجع مصر منذ 7 سنوات ونادم علي الرجوع.. مهندس مدني بالرياض.. طبيب بالمدينة المنورة.. مهندس يعمل بمجال اقتصادي في أحد البنوك في مصر.
بحسبة بسيطة يتضح أن من بين 12 متفوقاً في الثانوية ـ علمي علوم ورياضة ـ يوجد واحد فقط لم يعمل خارج مصر.. أي ان 92% من المتفوقين سافر للعمل بالخارج.. وثلاثة فقط من الاثني عشر موجودون في مصر حالياً.. أي ان 75% منهم خارج مصر حاليا.. ثم علق صاحبنا علي ذلك بقوله: تخيلوا هذه المأساة.. مأساة تجريف مصر من العقول النابغة.. هذا البلد لن يتقدم خطوة واحدة إلا عندما يصبح جاذباً لعقول وسواعد أبنائه.. وليس طارداً لهم.
هكذا طرحت القضية بكل بساطة.. لكن المشاركات التي ألحقت بها زادتها عمقاً وتعقيداً.. وفتحت زوايا جديدة لمن يريد أن يري الحقيقة من كل جوانبها.. ومن هذه المشاركات ما يلي:
* أحدهم كتب:: بلادنا العربية طاردة للعقول قاتلة للفكر والعلماء واقرأوا قصص الدكتور المشد وسميرة موسي وسعيد السيد بدير وجمال حمدان وغيرهم كثير.
* وكتب آخر: لم يقتصر الأمر علي ذلك.. كل القادرين اقتصاديا والمؤهلين علمياً يدرسون في الخارج في مرحلة الجامعة.. وهناك أناس يرسلون أبناءهم ليتعلموا في الخارج من الثانوية.
* وكتب ثالث ساخراً: أحدهم يقول لك أحبوا بلدكم.. نعم نحبها علي المرض والتعليم المتخلف.. علي قلة الأدب.. علي ذل أبي وأمي في المصالح الحكومية لأن ليس لنا ظهر.. علي الدكتور أبو 1200 جنيه.. علي الغني الذي أكل لحم الفقير!!
* وكتب رابع: العلماء يهربون للخارج.. لكن عندنا الفنانات والممثلات والراقصات.. وكل من ترغب في الشهرة تأتي إلينا.
* وكتب خامس مخاطباً صاحب البوست: المشكلة انك جعلت من هؤلاء المتفوقين ضحايا وفي الحقيقة هم جناة.. انهم يعملون في الخارج من أجل المال.. لأن الدكتور لم يعد يكفيه الـ 50 جنيهاً التي يدفعها الفقير في الكشف.. هو يريد 500 جنيه.. ولم يعد يعجبه راتبه الذي يصل إلي 3 آلاف جنيه.. هو يريد أكثر وأكثر.. قل لي ماذا قدم هؤلاء العلماء الذين تعلموا مجاناً وصاروا أعلاماً لوطنهم.. هناك كلام كثير نحتاج أن نفهمه قبل أن نتكلم عن بلدنا بهذا السوء.. ونريد أن نأخذ منها ولا نعطيها.. بلادنا امكانياتها المادية محدودة.. وتحتاج منا أن نقف إلي جانبها.. ثم بعد ذلك نفكر في مصلحتنا.
* وكتب سادس: نعم.. بلدنا امكانياتها محدودة عندما يتعلق الأمر بالعلماء فقط.. لكن هناك فئات تحصل علي أرقام فلكية بحق وبدون حق.. وتعيش حياة من الرفاهية يحسدهم عليها الملوك والأمراء.. مصر لا تعاني من الفقر.. وإنما تعاني من سوء توزيع الثروة.
* وكتب سابع: إن شباب الثورة في السجون الآن.. هؤلاء الذين كنا نتغني بهم.. وأرفق بذلك صورة لإسراء الطويل.
* وكتب ثامن: أنا وأنت وبقية الأفاضل المعلقين ضحايا النظام الاستهلاكي العالمي.. مصر فعلاً جميلة.. لكنها لن تستطيع أن توفر لك كل مفردات الاستهلاك التي تروج لها وسائل الإعلام.. علماء مصر زمان كانوا يعيشون في مصر عندما كانت متطلبات الحياة بسيطة.. ومن سافر منهم كان ليتزود بالعلم.. اليوم الكل يريد أن يعيش في كمبوند وكل واحد في الأسرة يمتلك سيارة وعدداً من الأجهزة الاليكترونية الحديثة ومصيفاً ومشتي.. عفواً.. مصر لن تستطيع أن توفر كل ذلك.. المشكلة فينا وفي نهجنا الاستهلاكي.
وهكذا تكون القضية أكبر مما نتصور.. وتحتاج إلي دراسة جادة متعددة الجوانب إذا أردنا فعلاً أن تستفيد مصر من طيورها المهاجرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف