في المعركة المتصاعدة مع الإرهاب نستطيع أن نميز بين صوتين.. صوت ينادي بالانتقام الشامل والحرق والإبادة باعتبار أننا نتعامل مع قتلة أشرار وإرهابيين يعتدون علي شعبنا جنودا ومدنيين وصوت يدعو إلي وضع استراتيجية طويلة المدي ومتعددة الرؤي لا تقتصر علي البعد الأمني وإنما تتجاوزه إلي تغيير البيئة الحاضنة للإرهاب.
الصوت الأول يعتمد علي رد الفعل التلقائي والشعارات الحماسية.. وربما يري ان الحرب مع الإرهاب أقرب إلي مباراة يجب ان نكسبها وننتصر بالضربة الواحدة القاضية.. وفي سبيل ذلك لا صوت آخر يعلو علي صوت المعركة.. لا حديث عن حقوق الإنسان ولا مجال لأي معارضة لأن الظروف الوطنية لا تحتمل.. ولا مانع من اللجوء إلي "الفاشية" إذا استدعي الأمر.
الصوت الآخر لا يهمل الحل الأمني.. بل يركز عليه ولكن ضمن منظومة متكاملة ادراكا بأن المعركة شاقة وشرسة وعنيفة ولن تنتهي قريبا وتحتاج إلي النفس الطويل.. والمقصود بالمنظومة المتكاملة هنا أن يتكاتف الجهد العسكري مع الجهد السياسي والجهد التنموي والتوعية.. ويساند ذلك إعلام ناضج ملتزم يحرص علي احترام القانون والحريات العامة.. ويسير جنبا إلي جنب مع رسالة دينية سمحة ومستنيرة.
انصار الصوت الأول هم الأغلبية والأكثر انتشارا في الصحف ووسائل الإعلام المرئية خاصة الفضائيات.. ويبدو من حيث الشكل ان مهمتهم اسهل وأكثر جاذبية.. في حين ان انصار الصوت الثاني يحتملون هما أكبر في الدراسة والبحث والتحري ويقولون الكلمة الأصعب التي وان كانت لن ترضي الكثيرين لكنها الأكثر فائدة والأكثر عمقا.
فالواضح الآن ان الجماعات الإرهابية في سيناء صارت أكثر شراسة وأكثر تنظيما.. وفي كل مرة تأتي ضربتها أصعب مما يوحي بأنها تتحرك في بيئة حاضنة للإرهاب تختلف عن تصوراتنا.. ومن هنا فإن الأمر يحتاج دراسة تفصيلية لأوضاع ما يقرب من مليون مواطن مصري يعيشون في سيناء ونحن جميعا نعلم انهم تعرضوا خلال السنوات الطويلة الماضية لظروف قاسية من التهميش والتشكيك في وطنيتهم والانتقاص في قدراتهم وقيمهم وبدلا من مساعدتهم علي تطوير هذه القدرات والقيم راح البعض يتناولهم بالاتهام والإساءة في الأفلام والمسلسلات.
ويذكرنا د.عمرو الشوبكي بأنه بعد اعتداء طابا عام 2004 اتجهت الدولة إلي توسيع دائرة الاشتباه حتي وصلت وفق منظمات مدنية مصرية إلي حوالي 3 آلاف شخص وخرج بعض السياسيين والخبراء الاستراتيجيين يدعون علنا إلي قتل مائة ألف شخص من أهل سيناء إذا كان ذلك ثمن القضاء علي الإرهاب.. ولا يدري هؤلاء ان ذلك سيكون سببا في مضاعفة الإرهاب.
لن ننتصر علي الإرهاب بكلام إنشائي ولا بشعارات حماسية ولا تبرير مأساتنا في سيناء بصراعات سياسية داخلية ثم نترك المعركة علي كاهل الأمن وحده.. يجب أن تنتفض أجهزة الدولة.. كل منها يؤدي دوره حتي تتوقف مواكب النعوش.. وذلك لن يتحقق إلا بالاستناد إلي الدعم الشعبي.. ومداواة جراح السيناوية وتجديد الثقة في وطنيتهم واخلاصهم لمصر هو المفتاح الأول لدحر الإرهاب أما استعداؤهم وتخوينهم وتشويههم فهو أفضل مساعدة وأقوي دعم نقدمه للقتلة.
ان الجرأة والفجور اللذين أظهرتهما جريمة العريش الأخيرة يجب أن يجعلانا نستفيق ونتحسس موضع اقدامنا لنعلم إلي أين تمضي.. فالوطن في خطر داهم ولنكن علي قدر المسئولية.. بلا تشنج وبلا مزايدة.
سيناء تحتاج معركة جديدة.. معركة تحرير من قبضة الإرهاب.. ومعركة تعمير ينتشلها من الفقر والبؤس.. ومعركة تنوير لعقول ظنت الباطل حقا وتوهمت القبح جمالا واعتنقت القتل والترويع مذهبا.