من جديد وللمرة الثانية يتم تأجيل اجتماع مجلس الدفاع العربى إلى أجل غير مسمى، وهو الاجتماع الذى كان سيناقش بروتوكول تشكيل القوة العربية المشتركة بعد أن اتخذت القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ فى مارس الماضى قرارا مفاجئا يقضى بتشكيل قوة عربية مشتركة بهدف حماية الأمن القومى العربى.ولاشك أن تأجيل انعقاد مجلس الدفاع للمرة الثانية فى غضون شهر واحد إنما يؤكد أن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل منذ البداية. التأجيل كان متوقعا نظرا للتباين بين الدول العربية وتحفظات البعض على بروتوكول تأسيس هذه القوة، بالاضافة إلى الوضع العربى الراهن المتخم بالخلافات والصراعات والتباينات. وبالتالى يتعذر معه إنشاء مثل هذه القوة.
ولهذا ورغم الحماس المبدئى للمشروع إلا أن الشكوك كانت تحوم حوله، ومن ثم جاء الاعلان يوم الخميس الماضى عن تأجيله كدلالة على فشله وعدم اكتماله. وهناك عامل آخر يصعب معه تحقيق هذا المشروع ألا وهو فقدان الثقة بين الدول العربية بعضها وبعض، فهناك مخاوف من استغلال دول لهذه القوة للتدخل فى الشأن الداخلى تحت ذريعة المخاطر التى تواجه هذه الدولة أم تلك. ولاننسى أن طوال سبعين عاما من تأسيس الجامعة فشل العرب فى تطبيق ميثاق التضامن العربى واتفاقية الدفاع العربى المشترك، فلقد بقى كلاهما مجرد معزوفة كلام مظهرية بلا تفعيل على أرض الواقع. هذا بالاضافة إلى فشل العرب فى تعديل ميثاق الجامعة كى يبقى على إلزامية تنفيذ القرارات المتخذة بالاكثرية لا بالاجماع.ومن ثم غدا تنفيذ القرارات رهنا بالاجماع. ولهذا ظلت قرارات الجامعة العربية منزوعة الدسم عصية على التفعيل لاسيما تلك المتعلقة بالشأن السياسى والقومى والدفاع المشترك وحماية الأمن القومى العربى. وبالتالى لم يتخذ قرار واحد قابل للتنفيذ باستثناء قرارات وزراء الداخلية نظرا لعلاقتها بأمن الأنظمة السياسية.
رفضت سلطنة عمان منذ البداية فكرة المشروع. ولاغرابة، فهى الدولة الأكثر حرفية فى اتخاذ القرارات. ولهذا تأتى قراراتها بعيدة عن العشوائية والارتجال والمجازفة، فهى تدرس الموقف بتمعن وتمحيص قبل أن تتخذ قرارا بالقبول أو الرفض. ومن ثم جاءت قراراتها مستقلة لاتصدر إلا عن قناعتها الذاتية، فلا أحد يملى عليها ما لا تريد، ولا تنساق بالتبعية نحو مايتعارض مع ما تؤمن به. لقد رأت عمان أن الدور المناط بأى دولة فى هذه القوة سيعنى التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى لاسيما وأن دستورها يحظر مشاركة قواتها المسلحة خارج نطاق دول مجلس التعاون الخليجى، وهو مايتفق مع قواعد القانون الدولى. هذا فضلا عن أن عمان لاتؤمن بوجود تحالفات إقليمية على حساب أطراف أخرى.ولهذا كله باتت عمان النموذج المثالى فى اتخاذ القرارات الحكيمة النابعة من دولة تؤمن بالثوابت والمبادىء كأساس راسخ.