هذه القضية التي تفجّرت علي غير انتظار. قضية علي درجة كبيرة من الأهمية. وهي تثير مرة أخري. وليست أخيرة. نظرة البعض إلي قضية الولاء والانتماء: الوطن والشعب. أم لمجموعة حاكمة. أو أجهزة مسيطرة؟!
وقد كانت مشكلة المشاكل. في بلادنا. دائماً. أن معايير تقييم الأفراد لا تتم علي أسس موضوعية. تضع خدمة الدول والوطن والشعب في المقام الأول والأخير. وانما يُحركها دوافع قبلية: من ليس معنا فهو ضدنا. حتي لو لم يكن عدواً. أو كان أكثر معرفةَ. وكفاءةَ. وعلماً. وخلقاً. وإبداعاً. وعطاءَ!
وقد أنتج غياب التقاليد العلمية. وانهيار القيّم العقلانية. وافتقاد الرؤية الأعمق. التي تُعلي من شأن المصلحة الوطنية العليا علي التحزبات الصغيرة. في النظرة الي مثل هذا الأمر. كوارث كبري. حيث تسلط محدودو الموهبة. ومعدومو القيمة. وفاقدو الهمة. بالتزلف لأولي الزمر. والتقرب لصناع القرار. وأدي هذا الوضع المحبط الي "طفشان" عشرات الالاف من خيرة علمائنا ومفكرينا. بحثاً عن العدل والإنصاف. في مواقع أخري من العالم حيث ينالون ما يستحقون من الاحترام والتقدير!
وعدوةً. بعد هذه المقدمة اللازمة. إلي "قضية الدكتور منير مجاهد"!. التي تثير جدلاً كبيراً هذه الأيام. لا باعتبارها قضية فردية. وإنما لأنها تمس مسائل عامة مهمة. علي رأسها كيفية اختيار المسئولين الرئيسيين عن المشروعات الكبري. العلمية والاقتصادية. بل والسياسية. في الدولة. وما هي معايير هذا الاختيار. وما هي شروطه؟!
ولقد كان من حظي الحسن أن زاملت "د. محمد منير مجاهد" في الدراسة بكلية الهندسة. جامعة القاهرة. في أعقاب هزيمة 1967. وأشهد أنه كان واحدا من أكثرنا تألما لهذه الهزيمة التي لا يستحقها جيشنا. ولا شعبنا. وقد واصل الليل بالنهار. مثله مثل الالاف من شباب جيلنا. من أجل الحث علي الإعداد لمعركة الثأر من العدو الصهيوني. وطرد الاحتلال من بلادنا. وتميّز طوال فترة دراسته بالتفوق العلمي. والالتزام الوطني. والرقي الأخلاقي. والانفتاح العقلي وحينما أنهي دراسته "د. مجاهد" بالكلية أكمل دراساته العليا. وحصل علي شهادة الدكتوراه من انجلترا. بتفوق. متخصصاً في "أمان المفاعلات النووية".وهو أمر علي درجة هائلة من الخطورة. لم يخط خطواته الأولي في هذا المجال. كما استمر مدافعاً. بقوة. عن حق مصر في امتلاك المعرفة التقنية المتقدمة. علي رأسها التكنولوجيا النووية. وظل مثل "أبوالهول" رابضاً علي أرض المفاعل النووي بالضبعة. يدافع عن حق الدولة فيها بشراسة. حينما تهددتها المافيا. وكاد أن يضيعها الإهمال والتراخي.
ومنذ أن عاد د. مجاهد الي وطنه وهو مهموم بكل مشكلاته. ومجتهداً في البحث عن حلول لها. عبر الاشتباك الواعي بقضاياها. والاهتمام الصحيح بهمومها وهموم مواطنيها. مقدماً دون تردد خلاصة جهده العلمي والفكري لخدمة شعبه ولم يقف عند دوره العلمي حسب. وإنما أدلي بدلوه حينما استشعر اتجاه الجماعات المتطرفة لشق لحمة الوطن. وهدم تماسكه التاريخي. فأسس. عام 2006 مجموعة مصريون ضد التمييز الديني "مارد" لمناهضة التمييز الديني. ودفاعا عن حرية العقيدة والمساواة بين المواطنين ولكي تكون "مصر لكل المصريين" وهي لجنة مصرية بالغة الأهمية. تضم العشرات من خيرة أبناء الوطن. لمواجهة التمييز علي كل المستويات. الديني. والعرقي. والاجتماعي. والسياسي. والثقافي!
والآن: يتم عزل شخص بهذه المقومات المميزة: خلقياً. وعلمياً. ووطنياً. وانسانياً. من موقعه المستحق كمستشار للبرنامج النووي المصري. استناداً الي الحجة البليدة. التقليدية: "الدواعي الأمنية" التي سببت التحفظات علي شخصه؟! وهي دسيسة يقف خلفها حتماً. أعداء هذا الشعب والوطن. بل وأعداء الدولة والنظام. الذين يريدون القفز علي مشروع مصر النووي. حينما بدت بوادره تلوح في الأفق هذه الأيام. مهما كانت النتائج والتكاليف!
وأخيراً: فأنا لا يخامرني أدني شك في جدارة "د. محمد منير مجاهد" العلمية والادارية والأخلاقية. لهذا الموقع المهم. الا اذا كان من شروط شغله. ألا يكون شاغله وطنياً أصيلاً. وعالماً جليلاً. راقي الخلق. متفانياً في خدمة بلاده وناسه. وحينها فلنقل علي مصر السلام!