الوفد
عباس الطرابيلى
مياه الصرف.. وتجارب العالم
تجارب عديدة عاشتها دول غنية وفقيرة لتوفير المياه الحلوة لشعوبها.. سواء بتحلية المياه المالحة، أو معالجة مياه الصرف الزراعي، أو الصحي، أو الصناعي والأخيرة أصعبها.. ولما كانت مصر قد دخلت بالفعل في عصر النقص الشديد للمياه.. فإن الرئاسة المصرية تأخذ هذه القضية الحيوية باهتمام كبير.
وأمامنا دول لجأت إلي تحلية مياه البحر ومن المؤكد أن السعودية والإمارات والكويت، وباقي دول الخليج من أكبر الدول في هذا المجال، فماذا عن تجارب هذه الدول، وغيرها.. لنتعلم وننقل عنها هذه التجارب..
<< وحتي نصف قرن فقط كانت أبوظبي تعاني ندرة في المياه العذبة.. ولهذا كانت تستورد المياه من مملكة البحرين، عبر مراكب خاصة.. وبالذات من عين عذاري هناك.. وكان بعض هذه المياه يصل مخلوطاً بالحشرات إلي أن نجحت أبوظبي في حفر عدد من الآبار في منطقة الساد القريبة من مدينة العين- جنوب مدينة أبوظبي - وأخذت في نقل المياه من هناك إلي العاصمة.. ولكن مع تصاعد عدد السكان، كان لابد من تحلية مياه البحر إلي أن اعتمدت تماماً علي عمليات التحلية، وأصبح خط الساد ينقل المياه المحلاة من مدينة أبوظبي، إلي مدينة العين نفسها! وأصبحت أبوظبي من أكبر دول المنطقة في مشروعات تحلية مياه البحر..
<< وكذلك السعودية بها الآن مشروعات عملاقة لتحلية مياه البحر، سواء من الخليج العربي شرقاً أو من البحر الأحمر غرباً، ويتم نقل المياه المحلاة من الشاطئين إلي الداخل لتوفيرها للسكان، وهي أيضاً مشروعات عملاقة وناجحة وبسبب الانتاج الكمي الكبير هناك.. تنخفض تكاليفه كثيراً.. حتي أنهم يستخدمون هذه المياه المحلاة في الزراعة، من خلال الري بالدش أو الري بالتنقيط.. وكذلك في الكويت، التي كانت أيضاً دولة رائدة في هذا المجال.. ثم قطر أخيراً..
<< وفي ألمانيا، ورغم أنهم لا يستخدمون المياه كثيراً في الشرب.. إلا أنهم اهتموا كثيراً بمعالجة مياه الانهار والبحيرات الحلوة بسبب إلقاء مياه الصرف الصناعي، وغيرها، في هذه المجاري المائية..
وفي إحدي زياراتي لألمانيا طلبت زيارة محطة لمعالجة المياه الملوثة، وهناك- خلال الجولة داخل المحطة - أخرج مديرها زجاجتين من المياه، وسألني أن أحدد ما هي المعبأة بمياه نظيفة أصلاً وما هي الزجاجة المعبأة بمياه معالجة.. وللحقيقة ازدادت حيرتي ولما أخترت الأكثر نظافة - وروقاناً.. ابتسم مدير المحطة وهو يقول لي: هذه هي زجاجة معبأة بمياه ملوثة.. ولكن تمت معالجتها، وقال لي إنهم يدفعون مياه الانهار الملوثة من كل أنواع التلوث إلي داخل المحطة حيث تجري عليها عمليات عديدة للمعالجة.. فتخرج في نهايتها وهي أكثر نقاوة من المياه الطبيعية .. وصحية 100٪.
<< وبالمناسبة كانت معظم انهار ألمانيا وقنواتها المائية ملوثة وكذلك معظم بحيرات المياه الحلوة فيها.. حتي ماتت فيها كل الأحياء المائية سواء في هذه الانهار داخل ألمانيا.. أو خارجها، أي في وسط أوروبا، وهنا تعاونت كل دول أوروبا لمعالجة هذه الجريمة.. حتي عادت الحياة إلي هذه الانهار والبحيرات.. وكانت عودة الحياة إلي هذه المجاري المائية أي عودة الاسماك إليها.. هي شهادة نجاح لإحياء هذه المجاري المائية، وعشت إحدي هذه التجارب في بحيرة قريبة من مدينة ميونيخ التاريخية، التي كانوا يلقون فيها مخلفات الصرف الصحي وقتها ولكنهم نجحوا في إحياء البحيرة من جديد لتتحول إلي بحيرة سياحية!.
<< ونصل إلي سنغافورة.. ونحاول اكتشاف لماذا طلب الرئيس السيسي زيارة أكبر محطة لتحلية مياه البحر.. ومتابعة تجارب معالجة مياه الصرف الصحي.. وأيضاً الصناعي، خصوصاً أن سنغافورة: الدولة «المدينة» أو الدولة الميناء تعاني فعلاً من ندرة المياه الحلوة.. رغم أنها كانت أكبر محطة لتموين السفن بالفحم - ثم بالبترول - والمياه الحلوة من البحر الأحمر - عند ميناء عدن - إلي هونج كونج في ساحل الصين..
<< ونجحت سنغافورة في اصطياد أي نقطة مياه.. بالذات مياه الامطار ومع تزايد عدد السكان - مع تقدمها - واجهت سنغافورة مشكلة نقص المياه.. وقد شاهدت بنفسي كثيراً من أنهارها الصغيرة وقد تلونت المياه فيها بين البني والأخضر بسبب شدة تلوثها.. سواء من الصرف الصحي أو الصناعي أو غيرهما.. وعدم توافر مصادر طبيعية للمياه..
هنا خاضت سنغافورة معركة شرسة لمعالجة كل ذلك.. سواء لتوفير المياه للشرب.. أو للزراعة، وبالمناسبة سنغافورة هي حديقة جنوب شرق آسيا كلها.. وهذا هو سبب زيارة الرئيس السيسي لمحطة معالجة المياه هناك.. ولكنني أري أهمية كبري أخري هي معالجة مياه الصرف الصحي عندنا، وكذلك مياه الصرف الصناعي وعندنا تجارب مؤلمة تتمثل في مصرف بحر البقر في الشرقية، حتي بحيرة المنزلة.. وفي مصرف كتشنر، التي يكتبها إعلامنا خطأ باسم «كوتشنر» وتلك قضية أخري، وينقل هذا المصرف مياه الصرف الزراعي والصرف الصناعي في محافظتي الغربية وكفر الشيخ ليصبها في بحيرة البرلس شمالاً دون أي معالجة.. وتلك مأساة أخري..
<< فهل نتعلم من تجارب كل هذه الدول وغيرها.. لنواجه عصراً من ندرة المياه - في مصر - أم نستمر في المشاهدة.. دون أن نتعلم؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف