قارن بين صبر الشعب المصري علي مشكلة القمامة.. وصبر الشعب اللبناني علي هذه المشكلة.. "انظر حولك" وقد احتلت القمامة كل شارع في مصر.. وأصبحت معلماً بارزاً من معالم أي منشأة.. أو منزل في حي شعبي أو ثري.. ولم يعد أحد يبدي ضيقاً أو تأففاً مما يراه.. بعد أن أصاب اليأس الجميع من زوال هذا المظهر الكريه.. اشتكوا فلم يستجب أحد.. احتجوا فلم يستمع أحد.. فآثروا أخيراً التعايش مع هذا المظهر الكريه.. ولسان حالهم بيت الشعر القائل:
إذا أنت لم تشرب علي القذي ظمئت
وأي الناس تصفو مشاربه؟!
والقذي هي القشة التي تعلو سطح الماء لخفتها.. فإذا ظللت تتمنع عن شرب الماء لوجود هذا "القذي" ظمئت.. أما "وأي الناس تصفو مشاربه؟" فهو حالنا جميعاً.. من الذي لا يوجد ما يعكر صفوه؟.. وإذا اقتصرت المسألة علي بضعة أكوام من الزبالة أمام هذا المنزل أو ذاك.. أو في عرض طريق.. أو علي ناصية طريق آخر.. فهذا ممكن احتماله.. فهو "القذي" الذي تحدث عنه صاحبنا الشاعر.. وعلينا أن نحتمله.. لكي نعيش.. ولكي تمضي بنا الحياة.. وإلا.. وإلا فاخبط رأسك في الحائط.. فلن يسأل عنك أحد.. وستمضي الحياة أيضا.. برأسك.. أو بدونها.. بالقمامة.. وبغيرها.
هذا هنا في مصر.. ماذا في لبنان؟
لا يريد الناس أن يخبطوا رءوسهم في الحائط.. فاتجهوا إلي أن يخبطوا رأس الحكومة.. نعم لماذا يخبطون رءوسهم في الحائط.. وهم شعب جميل.. يعيش حياته.. ويحب الحياة.. ويغني لها.. ويسهر لياليها.. في الشارع.. وعلي البحر.. وفوق الجبل.. فليخبطوا رأس الحكومة.. بعد أن فاحت ريحتها.
بدأت اللبنانيات التظاهر.. فلفتن أنظار العالم بأناقتهن.. ولفتن الأنظار في مصر بجمالهن.. ولكن القضية لم تضع في هذه الصورة.. فالخناشير شاركوا الجميلات في رفع التظاهرات.. التي بدأت "بريحتكم فاحت".. وتطورت إلي المطالبات بإسقاط الحكومة وعدد من الوزراء ثم إسقاط النظام الطائفي كله.. وتحاول باقي الكتل السياسية.. السبب في الأزمة.. الدخول علي خط التظاهر.. حتي تظل في الصورة.. بل وصل أمر التبجح بإحدي هذه الكتل.. وهي السبب الرئيسي فيما تعيشه لبنان من فراغ رئاسي وسياسي بمنعها انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ مايو ..2014 حاولت هذه الكتلة أن تدعي أنها من فجرت هذه التظاهرات.. وتدعو إلي تظاهرة بمفردها ولن يشارك معها يوم الجمعة القادم "4 سبتمبر 2015".
هكذا بدأت الأزمة في لبنان احتجاجاً علي "النفايات".. التي نسميها في مصر تدليلاً لها "القمامة".. وهرباً من المسمي الواقعي "الزبالة".. ولكن أزمة النفايات تتصاعد بسرعة لتعبر عن حالة الاحتقان التي يعيشها لبنان.. الذي تتصارع علي أرضه قوي عديدة.. تحارب معاركها علي الأرض اللبنانية.. وتستأجر بعضا من أبنائه ليحاربوا هذه المعارك لصالحها ونيابة عنها.. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستنتهي إليه هذه المظاهرات.. فكل الاحتمالات مطروحة.. بما فيها استقالة الحكومة.. لتدخل لبنان أزمة غير مسبوقة.. لتصبح بلا رئيس جمهورية.. وبلا رئيس وزارة.. ولكن أغلب الظن أن الأمور لن تتطور. كما يريد البعض أن يصورها.. امتداداً "للخريف" العربي.
** أما ماذا فعلت أزمة الزبالة في مصر؟ فلا شيء.. وان كان هناك تطور "دراماتيكي" قد سمعنا عنه في الأيام الأخيرة.. حين رأينا "الزبالة" أحد مسببات استقالة أو إقالة رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران.. بناء علي تقرير للرقابة الإدارية كما نشرت الصحف لأن قطعة أرض بالمطار تحولت إلي مقلب زبالة.. مع أن الرجل ليس مسئولاً عن المطار.. فالمطار يتبع رئيساً آخر.. غير الشركة القابضة لمصر للطيران.. ولكنها مصر.. بلد العجائب.. التي تطيح الزبالة فيه برئيس شركة كبري.. بينما البلد كله يطفو فوق أكوام الزبالة.. ولا نسمع شيئاً غير اجتماعات وتبريرات وانتظار الفرج بانتهاء عقود شركات جمع الزبالة بعد عدة سنوات.. حتي تفرج بايجاد شركات أخري.. أما تقرير للرقابة الإدارية.. يؤدي إلي رفت محافظين.. أو وزراء.. أو.. فهذا ما لم نسمع عنه بعد.. ولعل زبالة المطار تفتح الباب لاقالات أو استقالات قادمة.. فالغيث أوله قطرة.. ثم ينهمر.. بإذن الله.. وبعد عمر طويل مديد. نريد تقريراً من فضلكم..!!