فرق كبير بين أن تتمني شيئاً وان يتحقق ذلك الشيء.. ما بين التمني والتحقق مسافة شاسعة.. وكم تمنينا أن تتحقق وحدة العرب بأي شكل من الأشكال وعلي أي مستوي وتحت أي مسمي.. لكن للأسف ظلت هذه الأمنية علي مر السنين معلقة كالحلم المستحيل.
وفي مارس الماضي أعلن أمناء القمة العربية في شرم الشيخ عن تشكيل القوة العربية المشتركة لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية في الدول العربية.. وكان واضحاً منذ البداية أن هذا الإعلان يحمل من التمني أكثر مما يحمل من قدرات علي التحقق في الواقع العربي الذي يعاني من التفكك وكثرة المحاور.. لكن المتحمسين والمطبلين علي طول الخط تعاملوا - ولأسباب معروفة ومفهومة - مع الأمنية علي أنها قد صارت حقيقة.
الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن الواقع العربي لم يكن مستعداً لاستقبال مثل هذه القوة العربية المشتركة.. ولن يكون مستعداً لذلك إلي سنوات طويلة قادمة.. حتي بعد ان تم إدخال تعديلات جوهرية علي المشروع النهائي للبروتوكول المنشئ للقوة المشتركة تكاد تفرغها من مضمونها وتجعلها أقرب إلي فكرة التحالف الاقليمي المؤقت.. وهذه التعديلات نشرتها صحيفة الأخبار بالكامل في عدد أمس الأول الاثنين.
وقد كان واضحاً في البداية ان هناك بعض الدول العربية التي ترفض الفكرة من أساسها وهناك دول تحفظت ودول وافقت علي مضض حرجاً وحياء.. ثم اتضح ان هناك مماطلات متعمدة ومحاكات تشير إلي عدم الرضا.. وعندما حان موعد الاجتماع الحاسم لوزراء الخارجية والدفاع المفوض بإعداد البرتوكول النهائي لإنشاء القوة جاءت الرسائل من 7 دول عربية عشية الاجتماع تطلب تأجيله إلي أجل غير مسمي.. أجل يتفق عليه بعد ذلك.
كانت هذه لحظة إفاقة من الحلم حتي لا نظل نخدع أنفسنا بالحديث عن أمنيات كأنها حقائق.. إذن لابد من العودة إلي أرض الواقع والاعتراف بأن الواقع العربي لا يحتمل تشكيل هذه القوة المشتركة الآن ولو كانت رمزية.. وهذا ليس جديداً علينا - فالواقع العربي لم يحتمل من قبل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.. ولم يتعامل معها يوماً بجدية رغم المحن والحروب التي خاضتها بعض الدول وأولها مصر ضد إسرائيل.. ومن قبل ذلك أثناء العدوان الثلاثي عام ..1956 ولم يتم تطبيقها أثناء احتلال صدام حسين للكويت.. ولا أثناء أي نزاع عسكري آخر.
ثم.. دعك من المسائل العسكرية وما يحيطها من تعقيدات.. فالحقيقة التاريخية الواضحة ان العمل العربي المشترك لم يسجل أية نجاحات بارزة.. ولم يتطور.. بل لم يغادر النقطة التي بدأ منها عند إنشاء الجامعة العربية عام ..1945 وكل الأمنيات والكيانات التي تحمس لها العرب انتهت إلي ديكورات غير فاعلة.. وأبرز مثال لذلك اتفاقية التكامل الاقتصادي واتفاقية السوق العربية المشتركة.. ولم نبلغ في هذا السبيل معشار ما حققته دول الاتحاد الأوروبي أو حتي دول الاتحاد الافريقي.
وفي بداية هذا الأسبوع أعلن أن الخبراء العرب فشلوا في عقد اجتماع مخصص لمناقشة منع الازدوج الضريبي.. والسبب يرجع إلي اختلافهم حول من يرأس الاجتماع!!
البعض يتحدث عن مؤامرة خارجية وضغوط أمريكية علي أطراف عربية معينة لإفساد فكرة القوة العربية المشتركة.. وإحراج مصر صاحبة الفكرة والدعوة لإنشاء هذه القوة.. وربما يكون ذلك صحيحاً.. ولكن الأصح منه هو الاعتراف بأن الواقع العربي لا يمتلك القدرة علي تحويل الفكرة إلي حقيقة.. وهذا ما كان يجب ان ندركه قبل ان ندق علي الطبلة وننفخ في الزمارة.
إن إنشاء القوة العربية المشتركة لن يتحقق إلا إذا توافرت الإرادة السياسية والنيات الصادقة لدي الدول العربية للاتفاق أولاً علي تفعيل دور الجامعة.. وهذا يتطلب التنازل عن تمسك هذه الدول الشديد بالسيادة القطرية من أجل منح الجامعة سلطات أكبر وأوسع تمكنها من تحقيق الأهداف التي انشئت من أجلها والتي ارتبطت في وجدان الشعوب العربية بحلم الوحدة الشاملة.. وهذا - للأسف - ما لا نراه في الأفق القريب والبعيد.