الأهرام
مرسى عطا الله
زوابع‭ ‬المثقفين‭!‬
من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لنهوض‭ ‬أي‭ ‬وطن‭ ‬يبدأ‭ ‬بتقوية‭ ‬جدران‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬والمعرفة‭ ‬علي‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬وراسخة‭ ‬تهتم‭ ‬بالمفيد‭ ‬وتتجاهل‭ ‬الغث‭ ‬والرخيص‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الراهن‭ ‬الذي‭ ‬تداخلت‭ ‬فيه‭ ‬الأمور‭ ‬وتشابكت‭ ‬المصطلحات‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬سلاح‭ ‬الغزو‭ ‬الثقافي‭ ‬بديلا‭ ‬لكل‭ ‬أسلحة‭ ‬الغزو‭ ‬العسكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬تحت‭ ‬رايات‭ ‬العولمة‭.‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬تقوية‭ ‬جدران‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬والمعرفة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلي‭ ‬نخب‭ ‬ثقافية‭ ‬تدرك‭ ‬أهمية‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬حوائط‭ ‬الصد‭ ‬والحماية‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دخيل‭ ‬علي‭ ‬أفكارنا‭ ‬ومعتقداتنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجيء‭ ‬ذلك‭ ‬علي‭ ‬حساب‭ ‬الحق‭ ‬والضرورة‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الانفتاح‭ ‬علي‭ ‬العالم‭ ‬وتوسيع‭ ‬مساحة‭ ‬الإطلال‭ ‬علي‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬خارج‭ ‬حدودنا‭ ‬لكي‭ ‬نأخذ‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬مصالحنا‭ ‬ولا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬خصوصيتنا‭ ‬وهويتنا‭ ‬الذاتية‭ ‬وشخصيتنا‭ ‬المستقلة‭.‬

أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلي‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬للنخب‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬شغلت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بمعارك‭ ‬وأزمات‭ ‬وصراعات‭ ‬حول‭ ‬المواقع‭ ‬والمناصب‭ ‬الثقافية‭ ‬أدت‭ ‬إلي‭ ‬انشغال‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وبلبلتة‭ ‬بزوابع‭ ‬عاصفة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬وتغذية‭ ‬سلوكيات‭ ‬التراشق‭ ‬وتبادل‭ ‬الاتهامات‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬حريا‭ ‬بهذه‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬دروس‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وما‭ ‬حملته‭ ‬رياحها‭ ‬الباردة‭ ‬والساخنة‭ ‬من‭ ‬بذور‭ ‬الفتنة‭ ‬والانقسام‭ ‬لتدمير‭ ‬وتفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬حتي‭ ‬يمكن‭ ‬قولبة‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬واحد‭ ‬تحت‭ ‬رايات‭ ‬التغريب‭ ‬والأمركة‭ ‬وباسم‭ ‬استحقاقات‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوي‭ ‬قناع‭ ‬لإخفاء‭ ‬المقاصد‭ ‬الحقيقية‭ ‬لمن‭ ‬يروجون‭ ‬للفوضي‭ ‬الهدامة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬واختلقوا‭ ‬لها‭ ‬مسمي‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭!‬.

وفي‭ ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬لن‭ ‬تفيق‭ ‬من‭ ‬غفلتها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أفاق‭ ‬المثقفون‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الغيبوبة‭ ‬التي‭ ‬جذبتهم‭ ‬باتجاه‭ ‬إثارة‭ ‬الزوابع‭ ‬الذاتية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬علي‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للفكر‭ ‬الصحيح‭ ‬والثقافة‭ ‬المستنيرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح‭ ‬لأهمية‭ ‬استعادة‭ ‬دورهم‭ ‬الغائب‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬والعودة‭ ‬إلي‭ ‬تراث‭ ‬السابقين‭ ‬أمثال‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬والعقاد‭ ‬وزكي‭ ‬نجيب‭ ‬محمود‭ ‬الذين‭ ‬تفرغوا‭ ‬لإجهاد‭ ‬عقولهم‭ ‬وتوحيد‭ ‬جهودهم‭ ‬باتجاه‭ ‬البحث‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬للتحديات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬التي‭ ‬تدهم‭ ‬أمتنا‭ ‬حقبة‭ ‬بعد‭ ‬حقبة‭.‬

وكفي‭ ‬للزوابع‭ ‬والكلام‭ ‬الأجوف‭ ‬ومعارك‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬حتي‭ ‬يتفرغ‭ ‬المجتمع‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإرهاب‭ ‬ودحره‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬لصنع‭ ‬معادلة‭ ‬متوازنة‭ ‬بين‭ ‬حاجتنا‭ ‬لاستمرار‭ ‬الانفتاح‭ ‬علي‭ ‬العالم‭ ‬بثقافاته‭ ‬وأفكاره‭ ‬المتنوعة‭ ‬وبين‭ ‬مسئوليتنا‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬علي‭ ‬خصوصية‭ ‬الثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬والتقاليد‭ ‬المتوارثة‭.! ‬

خير‭ ‬الكلام‭ :‬

‭>> ‬ لا‭ ‬يري‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬يتحرك‭ ‬إلي‭ ‬الوراء‭ .!‬
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف