الوفد
أشرف عزب
رحلة عائلة عربية
قد يفرقنا التعصب لمذهب بعينه، قد يفرقنا التعصب السياسي لفصيل دون الآخر أو فكرة دون الأخري، قد يفرقنا التعصب لجنس أو لغة أو لون أو حتي الانتماء لناد دون آخر، ولكن وسط هذا الزحام الكبير من هذه الانتماءات والصراعات والحروب تبقي الإنسانية هي المرجع الوحيد لنا جميعاً كبشر في التعامل، والشعور بالإنسان كإنسان دون تعصب لبلد أو جنس أو دين، تبقي الانسانية هي البوتقة التي تحتوينا دون تفرقة.
هذه الإنسانية التي ضاعت علي سواحل ليبيا، ولم تعترف بالمهاجرين السوريين، فماتوا غرقاً، وماتوا براً في شاحنات نقلتهم من الموت داخل الوطن إلي الموت علي حدود بلاد أخري.
ضمير الانسانية الذي مات وصور الأطفال الغرقي ستظل تلاحقنا والعار يلازم ضمائرنا دون شفقة.
دع خيالك يروي لك قصة الهروب من الموت إلي الموت لعائلة سورية تلعن كل يوم الحاكم والمحكوم، الحكومة والمعارضة، وتلعن المؤامرات والدسائس والطمع في السلطة والسلطان، لأنهم السبب الرئيسي في هذا الموت البشع بحراً وبراً.
تخيل رحلة الموت معى.. الأب يستعجل الأم في جمع أغراض الأسرة المتبقية من الدمار ويقول لها : أسرعي لن ننتظر طويلاً الوقت يداهمنا.. الأم تحاول أن تجمع بعض الأغراض التي تساعدهم في رحلة النجاة كما تعتقد.. وتحتضن طفليها والرضيع علي كتفها، وتقول لزوجها إنها علي استعداد للرحيل وسط براءة أطفال لا يعرفون أنهم ذاهبون للموت، لا يدركون معني الهجرة ولا القوارب أوالشاحنات إلا في الملاهي وأماكن الترفيه والتلفاز في مسلسلات الكارتون.
تحمل الأم رضيعها وتحتضنه وهي تبكي وسط خطوات مليئة بالرعب من المجهول وتسير خلف زوجها الذي يحمل حقيبة صغيرة بها بعض الطعام ويمسك بيد طفليه متشبثاً بأمل النجاة من أجلهما.
تصل العائلة إلي القارب الذي ينقلهم إلي أوروبا بلاد الحرية والإنسانية!.. كل يجلس في مكانه وكأنهم صيد سمك ثمين، ويتوكلون علي الله.. الأسرة كلها يجمعهم حضن واحد، وأمل واحد وسط بسمة الأطفال لرحلة ترفيهية وسط مياه البحر المالحة وأمواجه الشرسة ودواماته التي لا ترحم.
الجميع يحبس أنفاسه ويؤازرون بعضهم البعض، ويشتد غضب الموج عليهم وتتعالي صرخات الأب والأم وتتحول الابتسامة البريئة إلي بكاء عنيف ورعب أعنف من أي شىء شاهدوه في حلقات الكارتون المرعبة.
الأب لا يستطع أن يقاوم غضب البحر وتأخذه الأمواج إلي الأسفل ويداه مرفوعتان، لا يطلب النجاة لنفسه بل لأطفاله وأسرته، الأم مازالت تحتضن الرضيع بقوة، ينزل عنها غطاء رأسها وتقاوم الموت.. هناك رضيع في حاجة إلي حياة جديدة، الأطفال ابتعدوا عن العيون وتحول البكاء إلي صمت، لقد كتم البحر بكاءهم وكأنه لم يتحمل هذه المأساة، ولم يستطع أن يسمع صوت البراءة وهي تموت.
وتأتي مراكب الإنقاذ لتنتشل الجثث والضحايا، وتأتي الكاميرات لتلتقط صوراً للأم وهي تحتضن رضيعها وتقاوم الموت، ونشاهد نحن صور الأطفال غرقي علي الشواطئ في مشهد يبكي الإنسانية جميعاً ليظل العار يلاحقنا ما دمنا أحياءً.
البحر رأف بحال هؤلاء الأطفال ولم يبتلعهم، وكان أحن عليهم منا جميعاً فيحملهم علي الشاطئ كي يكرمهم ويسمح لنا أن ندفنهم في التراب، وندفن ضمائرنا ورؤسنا خجلاً من هذا العار، لم يرض البحر أن يكونوا طعاما للأسماك، ورضينا نحن أن نقف نشاهد هؤلاء دون أن نخجل من أنفسنا ومن عروبتنا التي سمحت لهم بالموت الأليم.
كانت هذه نهاية عائلة عربية سورية تهرب من الجحيم إلي الجحيم، كانت هذه الرحلة هي الأخيرة لهم ولن تكون الأخيرة لعائلات أخري سيحاولون الهروب من الموت إلي الموت، وسط صمت ضمائرنا، ودون خجل من المتآمرين علينا وعلي بلادنا وعروبتنا وعلي الإنسانية بمفهومها العام كسياج يحمينا كبشر من البشر، رحم الله الجميع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف