عدة أشهر مرت، لم نسمع فيها سوى تصريحات على لسان وزير الرى حول تحديد المكتب الاستشارى المسئول عن دراسة آثار سد النهضة الإثيوبى على حصة مصر من المياه (55.5 مليار متر مكعب)، كان آخرها ما قاله الوزير «حسام المغازى» من أن الإعلان عن المكتب الاستشارى المكلف بإجراء الدراسات الإضافية لتقييم آثار سد النهضة سيعلن عنه أول مارس المقبل. يحدث هذا فى الوقت الذى يتواصل فيه البناء فى السد على قدم وساق، وأخشى أن يمر الوقت فى البحث عن مكتب استشارى وانتظار الدراسات وغير ذلك من ترتيبات، قد تكون مهمة من وجهة نظر المسئولين ولا تثريب عليهم فى ذلك، لنفاجأ بأن السد نهض وارتفع وحلق وبدأ يغتال قسماً من نصيبنا فى مياه النيل.
اللافت فى الأمر أن وسائل الإعلام لم تعد تهتم بهذا الموضوع إلا على مستوى المتابعة الخبرية للنفحات الكلامية لوزير الرى، مثل تلك النفحة التى قال فيها للإعلامية «لبنى عسل» منتصف شهر أكتوبر 2014: «إنه تم الاتفاق على خارطة طريق لحل أزمة سد النهضة خلال ستة شهور بدأت من أول سبتمبر 2014، وتنتهى فى مارس 2015. فهل قصد بذلك أن تهديد السد لمصالح مصر المائية سينتهى بمجرد الإعلان عن اسم المكتب الاستشارى الذى سيتولى تقييم آثار سد النهضة أول مارس، كما أكد يوم الجمعة الماضى؟!. ولست أدرى ما سر توقف وسائل الإعلام عن الاهتمام بهذا الموضوع، رغم التفاتها لخطورته وأهميته أيام الرئيس المعزول، وقد لا أبالغ إذا قلت إن إهمال «مرسى» وسوء إدارته لملف سد النهضة كان أحد الأسباب التى أدت إلى شحن الشارع ضده، حتى انتهى الأمر بنزول الناس فى 30 يونيو للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.
أتصور أن عودة مؤسسة الرئاسة إلى الاهتمام بهذا الملف قد يغرى الإعلام من جديد بتسليط الضوء عليه، خصوصاً أن آخر مرة سمعت فيها الرئيس «السيسى» يتحدث عن هذا الموضوع ارتبطت بحملته الانتخابية قبل تولى الرئاسة، وذكر خلال حديثه أن مصر أهملت الملف الأفريقى عموماً وملف سد النهضة لفترة طويلة، وأن علينا أن نحترم حق الآخر فى التنمية على أن يحترم الآخر حقيقة أن قضية مياه النيل بالنسبة لمصر قضية حياة أو موت، وهذا الكلام صحيح وواقعى بنسبة مائة فى المائة، لكننا لم نسمع عن سعى أو جهد مصرى حقيقى يبذل لضمان حق مصر فى الحصول على حصتها من مياهه، وربما كان ذلك هو السر فى انصراف وسائل الإعلام عن متابعة الموضوع.
قد تكون هناك جهود تبذل فى الخفاء من جانب مؤسسة الرئاسة وغيرها من الأجهزة المعنية، وهو أمر نحترمه قطعاً، لكن يبقى أن إعلان نتائج هذه الجهود للرأى العام أمر مطلوب، لأننا لسنا أمام قضية بسيطة، بل قضية خطيرة من حق المصريين أن يعلموا عن الخطوات التى تسلكها الدولة فى حلها، ومن واجب المؤسسات الساعية للحل أن تتعامل معها بشفافية ووضوح حتى يعرف المواطن «راسه من رجليه»، لأن الكثيرين يسألون بالفعل: «أخبار سد النهضة إيه؟!».