نظرتها خيال.. ولكن فوجئت بأنه الواقع المر الذى جرفنى إلى عينين سودواوين وبشعر أسود وشفتين مكتظتين ينبعث منهما رائحة الفراولة والكنتالوب وعصير العنب الأحمر.
لا.. لا أستطيع أن أدخل معركة، غير متكافئة.. فأنا سمكة صغيرة تسبح وسط محيط تتلاطم أمواجه يميناً ويساراً، أعلى وأسفل حتى وصلت إلى السحاب وغاصت إلى سابع أرض.
البحر الهائج تتراقص أمواجه بلونه القطنى الأبيض والنحاسى والذهبى فتذهب أنفاسى وأنا تتقاذفنى أمواج عينيك وروائح شفتيك وحلو ابتسامتك وحنان ورقة أناملك.
ساعدينى على التقاط أنفاسى. فأنا رجل ولكن كهل.. وأسمع نبضات قلبى وهى تحاول أن تقذف بقلبى خارج ضلوعى وأراه ينبض نبضة حب ونبضة خوف وألم وإرهاق حتى شعرت أنه قلب فى الثلاثين.. ويا فرحتى هذا النبض وقوته ذكرنى بحب قديم طرحنى وأخذنى إلى المجهول.
ألقت بى الأمواج على شاطئ مهجور إلا من بعض طيور النوارس تبحث عن غذائها بين الأمواج وكثير من قشور القواقع المبعثرة بعشوائية البحر والموج تبللها وتبدل أماكنها المياه المنحسرة خلف كل موجة.
لا.. لابد أن أعيش ولن أموت غريقاً فى بحر هواك.. ساعدينى على الهروب من خريطة جسدك فإنى كما قلت لك وترين أننى كهل فى السبعين.
وأخذت نفساً عميقاً فامتلأ الجو فجأة بالزنبق وسمعت موسيقى تنبعث من كل شىء وبكل شىء تغرد وتملأ المكان وترسل فائض المعانى إلىّ أنا.. أنا بالذات... آه وألف آه.
هممت وفتحت عينى.. أنا المعافى القوى وكأنى فى ثلاثين العمر سيد فرحتى وصاحب قرارى فى الحب.
ذهب الماضى.. لا أتذكره.. وفى الوقت نفسه لا أنساه.. صراع ومخاض وولادة حب.. لا لا بل أنا أولد من جديد.. عجبى فى نهاية السبعين أولد من جديد هكذا من كل شىء وإلى أى شىء.. ليس بعجبى إنه العشق.
التوافق مع حطام الذكريات مرهق إلى حد الغثيان.. شيطان أرجلنا الذى يوقظ فينا هم السير بحثاً عن الحب وعيناك السوداوان القاتلتان اللتان تغوصان بى فى عمق الزمن وتحذرانى بأنه لا وقت لدينا.. فستار المسرح القطنية العتيقة الحمراء الفخيمة قرب ميعاد إسدالها.. ستارة مسرح الحياة.. الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى ذلك العالم البغيض.
أنا على ضفة بحر عتى قوى غدار جبار.. يقذف بعباقرة البشر لاكتشاف داء مضاد لعجلة الزمن المتدفقة السريعة لنتمهل ما وسع التمهل.. حتى نتلاقى فى أراض جديدة ممتدة وخصيبة الأزمان.
هل ممكن أن نتلاقى فى حضن الأيام الباقية.. فعمرى فى هواك يا غالية على العين والقلب لا ينطلق بميعاد أو مكان ولكن يتدفق بتدفق الأيام وتتابع الأمواج.
الحب والمحبون لهم أصل ثابت لا ينسون ولا يتحولون ولكن إذا حدث لا يكون حب.
تآلفت وتآلفنا.. وأشعر بأننى نفيت فى نفس المكان الذى تخوضين فيه بنفس قدميك.. وروحك السايحة بين أمواج الزمن.
المنفى فى نفس المكان أشد قسوة وأشد.
عزبة وأشد ألم.. ألم يدم ولا يدمع العين.
بالأمس نزف جرح غيابك وتوالت دقات القلب بعمق مليون دقة.. لتوقظ أحزاناً مدفونة فى ركن الذكريات.
تمزج مع رحلات اليوم اليومية عبر محاجر العيون فى موكب مهيب لا تتحمله الأبدان.. يخرج الحزن والدمع والدم ليكون عناق الفراق أعنف وأعلى من موج البحر رائحة الحرمان وجموع البطون الخاوية.
تخرج ألحان نغماتها وحروفها لا تظهر معنى ولا تطرب أذناً ولا تجذبها، ولا تبعث على رقص أو سلطنة أو حتى حبة دندنة.
إنها موسيقية سوداء لزمن أسود نغوص فيه بأقدامنا ونجاهد حتى لا نفرق ولكن هيهات حبيبتى.. فإنى أغرق. فهل تساعديننى على الخروج حياً؟!
المنسق العام لحزب الوفد
رئيس لجنة الثقافة والفنون