الوطن
نشوى الحوفى
عن أى «مصالحة» و«طلقاء» تتحدثون؟
لا أعلم على أى أساس يردد بعض السياسيين وبعض قيادات الإخوان والمنتمين لمنظمات حقوق الإنسان مناشدات للدولة لتبنى فكر المصالحة مع الإخوان؟ هل بمنطق النبى، عليه الصلاة والسلام، فى تأمين أهل مكة بعد دخولها بعبارته الشهيرة «اذهبوا فأنتم الطلقاء»؟ أم بمنطق الرئيس السادات فى السبعينات بالإفراج عن الإخوان فى السجون والسماح للهاربين منهم بالعودة مجدداً لمصر وإعادة دمجهم فى المجتمع؟

وأياً كان المنطق الذى تنطلق منه تلك الأفكار، فجميعها مرفوض بوقائع التاريخ لا بالهوى الشخصى. فالطلقاء الذين أسلم غالبيتهم يوم فتح مكة، كانوا يرفضون الإسلام خوفاً على نفوذهم بين قبائل شبه الجزيرة العربية ورفضاً لمساواتهم بطبقات المجتمع الأخرى فيكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لن أتحدث عن صدق إيمانهم، فهذا شأنهم مع الله، ولكن أنظر للتاريخ فأرى أن هؤلاء الطلقاء قادوا أول انشقاق فى الدولة الإسلامية حينما رفض معاوية بن سفيان بيعة على بن أبى طالب، وهو ما نتج عنه قتال بين المسلمين ودماء لم ينقطع سيلها إلا بعد مقتل الآلاف منهم، وعلى رأسهم «على» و«الحسين» وقائمة من الصحابة، وتناسى الطلقاء ومن أيدهم أنهم يرددون كل يوم فى صلواتهم الخمس: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد»، وظهرت من بعد ذلك كل فرق التشيع والخوارج فى الإسلام. ولا يختلف الأمر مع الرئيس السادات الذى قرر التصالح مع الإخوان وإخراجهم من السجون والسماح لهم بممارسة السياسة فانبثقت عنهم كافة جماعات العنف والإرهاب، وقاموا بتصنيف المجتمع وتقسيمه بين إخوانى وجهادى ومسيحى ومؤمن وكافر. وانتهت المصالحة الإخوانية بمقتل الرئيس السادات نفسه على أيديهم. فعن أى مصالحة وعن أى طلقاء تتحدثون؟

يجىء هذا فى وقت لا يمل فيه الإخوان ومن والاهم من أعداء الوطن فى الخارج والداخل عن طرق كل الأبواب للخروج من أزمتهم. فما بين زيارة مطولة قام بها بعض قياداتهم الهاربة للولايات المتحدة مؤخراً لإظهار تنظيمهم كقوة فاعلة فى المعادلة السياسية فى مصر لا يمكن التعامل بدونه فى ظل إعادة احتوائهم لأقطاب المعارضة! خالطين أوراق محاكماتهم وخضوعهم للتحقيق بأوراق قضايا أخرى ينظرها القضاء كدعاوى المثليين والملحدين واتخاذها دليلاً على انتهاك حقوق الإنسان! وإعلانهم استمرار مواجهتهم مع الدولة المصرية فى شتى ربوع مصر. وبين بيانهم المُهدد للدولة المصرية وإعلانهم 11 فبراير كآخر فرصة للأجانب المقيمين فيها لتركها وقطع الاستثمار عنها. وبين ما تسرب من أخبار عن إقرارات توبة بعضهم فى السجون المصرية مكررين ما حدث فى الستينات حينما أرسلت بعض رموز الجماعة عرائض تأييد للرئيس عبدالناصر تبرأوا فيها من جماعتهم للخروج من السجن، فيما عُرف باسم «محنة التأييد». فعن أى مصالحة وطلقاء تتحدثون؟

ما يزعجنى أن من يتحدثون عن تلك المصالحات يعرفون أن دولة القانون التى يتشدقون بها ليل نهار لا تعرف التنازل عن حق المواطن والمجتمع وأمنهما. وأن لا مكان فيها لعبارات التصالح التى تفقد معناها أمام كل نقطة دم بريئة تسيل على الأرض بمبرر الإصرار على عودة شرعية واهمة احتالوا للوصول لها! ودليلى يا سادة ألمانيا التى جرّمت قوانينها الحزب النازى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ومنعت المنتمين لفكره من ممارسة السياسة ووضعت إجراءات صارمة لا تخاذل فيها على الجميع الالتزام بها. فعن أى مصالحة وطلقاء تتحدثون؟

ويبقى حديثى لدولة عليها أن تعى أنه لا مناص لأمننا من تطبيق سيادة قانون عادلة مستبصرة. وأنه لو أردنا حماية أبنائنا من التعرض لما عايشناه من كافة أنواع الإرهاب -الإخوانى والمنبثق عنهم- فلا سبيل أمامنا إلا زيادة الإنتاج وتطوير التعليم والإعلام وتجديد الخطاب الدينى وفصله عن سياسة الدولة. واعلموا أن مستقبل أجيال مقبلة فى رقابنا فعليكم أن تختاروا ما تريدونه لهم.

لا تصالح.. افرض القانون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف