قامت حضارة مصر العظيمة على ضفتى نهر النيل، وكانت بمثابة منارة للعلم والثقافة للعالم أجمع ولآلاف السنين، وكان المصريون القدماء يقومون بالعديد من القوافل التجارية والاستكشافية والرحلات والغزوات العسكرية للهضبتين الاستوائية والإثيوبية لتوطيد وتعزيز العلاقات السياسية والتجارية والثقافية وتأمين مصادر النهر، وفى الوقت نفسه أقاموا السدود والقنوات لتوفير مياه الرى للزراعة التى انتشرت فى ربوع البلاد. وفى العصر الرومانى انتشرت الديانة القبطية فى مصر وامتدت منها لإثيوبيا، وكانت الدولتان تتبعان معاً بطريرك الكنيسة المصرية منذ بدايات القرن الرابع الميلادى، وتلا ذلك الفتح الإسلامى، ثم المماليك، ثم العائلة العلوية. وكان محمد على بحق هو رائد النهضة الحديثة بمصر، فاهتم بالصناعة والزراعة والتعليم، وتكوين جيش مصرى قوى، وبناء أسطول بحرى كبير. واهتمت العائلة العلوية بتنمية النهر وإقامة القناطر الكبرى وشق الترع الرئيسية والرياحات مما أدى إلى تضاعف المساحة الزراعية للبلاد. ولتأمين تدفق مياه نهر النيل إلى مصر، قام محمد على عام 1820 بالزحف جنوباً إلى السودان وأسس مدينة الخرطوم وأخضع جنوب السودان وأجزاء كبيرة من أوغندا. واستمرت الحملات العسكرية المصرية فى عصر الخديو إسماعيل لتمتد الرقعة المصرية إلى إريتريا والصومال وأوغندا وبعض ولايات جنوب السودان وغرب إثيوبيا، وكانت مصر بحق إمبراطورية كبيرة يعمل لها ألف حساب. ولكن انتهت هذه الفتوحات بهزيمة للخديو إسماعيل فى إثيوبيا عام 1876 توقفت بعدها التوسعات المصرية فى شرق أفريقيا وحوض النيل. وبعدها فى عام 1881، ثار الجيش المصرى بقيادة الزعيم أحمد عرابى على الأسرة العلوية، وتلا ذلك بعام واحد قيام الإنجليز باحتلال مصر عام 1882. وأثناء فترة الاحتلال البريطانى عمل على دعم جهود الدولة المصرية فى بناء منشآت الرى الكبرى فى الصعيد، مثل خزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادى وأسيوط، وكذلك شق الترع الرئيسية فى صعيد مصر. بل حاول الإنجليز مساعدة مصر فى زيادة إيرادها المائى من نهر النيل حيث قاموا فى نهاية العقد الأول من القرن الماضى بمحاولات جادة لتطهير منطقة السدود بجنوب السودان من الحشائش، وهذه كانت المحاولة الأولى لحفر قناة جونجلى، ولكن توقفت هذه الجهود مع بداية الحرب العالمية الأولى. وامتد الاحتلال البريطانى جنوباً ليشمل السودان وبعض دول الهضبة الاستوائية أوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) وكينيا. وقامت بريطانيا العظمى فى ذلك الوقت نيابة عن مصر والسودان بعقد اتفاقية 1902 مع إمبراطور إثيوبيا مينليك الثانى، والذى تعهد فيها الأخير بعدم إقامة أى منشآت على بحيرة تانا والنيل الأزرق ونهر السوباط إلا بموافقة بريطانيا والسودان المصرى البريطانى. وقد قام البرلمان الإثيوبى بالتصديق على هذه الاتفاقية وقتذاك. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء فيها، طالب المصريون بالاستقلال بعد الدعم الكبير الذى قدمته مصر من الرجال والعتاد لمساندة ودعم بريطانيا فى هذه الحرب. وقام الإنجليز بنفى سعد زغلول ورفاقه إلى خارج البلاد، وانتفض الشعب المصرى بالثورة عام 1919، وحصلت مصر على استقلالها وقامت بإعداد دستورها عام 1923. وكان الإنجليز دائماً يؤمنون بأنه من يتحكم فى النيل يتحكم فى مصر، وبعد استقلال مصر كان انتقام الإنجليز بأن شيدوا سد سنار على النيل الأزرق فى السودان عام 1925، وحفروا الترع وأصلحوا الأراضى بمنطقة الجزيرة السودانية لزراعة القطن وتصديره إلى المصانع البريطانية بدلاً من القطن المصرى وضرب الاقتصاد المصرى فى مقتل، وقامت بريطانيا كممثلة عن السودان ودول الهضبة الاستوائية: أوغندا، وتنجانيقا، وكينيا بعقد اتفاقية 1929 مع مصر المستقلة، وهى فى الأصل اتفاقية حدودية لدول الهضبة مع السودان، وكانت الاتفاقية تنص على عدم إقامة أى مشروع على النيل أو روافده أو البحيرات الاستوائية إلا بعد إخطار وموافقة مصر. وتنص الاتفاقية على أن حق مصر التاريخى فى مياه نهر النيل 48 مليار متر مكعب سنوياً، وأن حق السودان 4 مليارات متر مكعب سنوياً، بينما كان يفقد حوالى 32 مليار متر مكعب سنوياً إلى البحر المتوسط.
وبعد ثورة يوليو 1952 والتحرر من الاحتلال البريطانى، تبنى الزعيم جمال عبدالناصر مشروع السد العالى لزيادة حصة مصر المائية وتوفير الكهرباء للتنمية الصناعية. وتقدم عبدالناصر إلى البنك الدولى بطلب قرض لتمويل بناء السد. وتحت ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية وضع البنك الدولى شروطاً مجحفة لإقراض مصر، والتى رفضتها مصر، فقام البنك الدولى بسحب القرض. وقام عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وأصبح عبدالناصر صداعاً ومشكلة كبيرة بالنسبة للغرب ودوله الكبرى أمريكا وإنجلترا وفرنسا. وكان الرد الغربى هو العدوان الثلاثى الغاشم على مصر عام 1956، وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهى تغيير النظام اليسارى الحاكم ووقف مشروع السد العالى وتدويل قناة السويس. وكعادة شعب مصر، قاومت البلاد العدوان ببسالة واستشهد الآلاف دفاعاً عن مصر وحقها فى الحياة، وفشل هذا العدوان فى تحقيق أى من أهدافه. وانتصرت مصر سياسياً فى هذه المعركة واستمر عبدالناصر فى مشروعه القومى العملاق ونجح عبدالناصر بعد عقبات ومشاكل متعددة فى عقد اتفاقية 1959 مع السودان، والتى تنص على الاستفادة المشتركة من المياه التى سيوفرها السد العالى بدلاً من فقدانها للبحر وذلك على ضوء الحقوق التاريخية للدولتين فى اتفاقية 1929، وتنص الاتفاقية أيضاً على إقامة مشاريع استقطاب الفواقد المائية فى جنوب السودان لزيادة إيراد النهر لصالح الدولتين، وقد نصت الاتفاقية على زيادة حصة السودان المائية من 4 إلى 18.5 مليار متر مكعب سنوياً، وحصة مصر من 48 إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً. مع بناء السد العالى، قام عبدالناصر بشق الترع والرياحات وإقامة منشآت ومحطات طلمبات الرى الكبرى لتوسعات زراعية فى الصحارى المصرية. وعلى التوازى بدأ عبدالناصر فى إحداث نهضة صناعية وطنية وفى صناعة السلاح والتى باتت حينئذ تهدد إسرائيل والمصالح الغربية. ولم تتركنا القوى الغربية لكى نحصد ثمرات النجاح، وفاجأت مصر فى خضم هذه النهضة والانتصارات بهزيمة 1967 التى كان هدفها الرئيسى وقف برامج التنمية المصرية وعلى رأسها السد العالى، وعاشت مصر والزعيم عبدالناصر أياماً فى منتهى القسوة بعد هزيمة 1967 تمثلت فى تراجع للوضع السياسى الدولى والإقليمى للدولة وتراجع فى نموها الاقتصادى واستقرارها الاجتماعى وتردٍ فى الخدمات العامة. وتوفى الزعيم عبدالناصر عام 1970 بعد أن نجح فى استكمال بناء السد العالى، وكان يعمل على إعادة بناء الجيش المصرى استعداداً لحرب تحرير سيناء وطمس هزيمة 1967.
وزير الموارد المائية والرى الأسبق