الوطن
نائل السودة
هل هناك ما هو أكثر ؟
بعد ظهور التقرير الرسمى لمصلحة الطب الشرعى التابعة لوزارة العدل، زاد عدد الغاضبين والرافضين لنتيجة مريم ملاك، التى حصلت على صفر فى كل مواد امتحان الثانوية العامة، فيما عدا اللغة العربية التى حصلت فيها على درجة ونصف الدرجة.

ليس طبيعياً أن يحصل طالب على صفر فى الثانوية العامة، ولا بد من التساؤل عن حقيقة نظام تعليمى أوصل إلى الثانوية العامة أربعين من الطلاب المُمتَحنين حصلوا على الصفر هذا العام!

لماذا زاد عدد المصدقين لادعاء «مريم» أن ورق الإجابات ليس ورقها، والدرجة ليست درجتها، رغم أن كثيراً من الغاضبين لا يعرفون تاريخها الدراسى الذى يدل على تفوقها، فقد حصلت على 325 درجة من 350 فى الشهادة الابتدائية و290 درجة من 300 درجة فى الشهادة الإعدادية و96% فى الصف الأول الثانوى و98% فى الصف الثانى الثانوى، ثم نجاحها العام الماضى فى مواد لا تُضاف إلى المجموع كالدين 21 درجة من 25 مثلاً، بينما لم تدخل امتحان المواد الأساسية بسبب وفاة والدها، مما يعنى أنها تصر على الحصول على مجموع كبير.

ثم اشتعل غضب الرأى العام أكثر مع حفظ النيابة للتحقيق واعتبار أن الطالبة راسبة والدرجة ونصف الدرجة هو مجموعها الحقيقى.

الناس -باختصار- لم يصدقوا نتائج المؤسسات وصدقوا الفتاة الصغيرة، وهذا يضرب الدولة فى مقتل. ناس لا تصدق المؤسسات التى تحكم بينها بالعدل والقسطاس! لا بد من تدارك هذا الطعن والوصول إلى الحقيقة، خاصة أنه يتعلق بالشباب.

الحادثة أعادت إلى الذاكرة العامة حوادث وتقارير مشابهة فى ظل تهديد وزير التربية والتعليم، بجلال قدره، لطالبة عنده بمقاضاتها، بدلاً من أن يحمد شجاعتها كمواطنة فى البحث عن حقها، بل كذلك تهديد وإخافة التلاميذ الذين لا يسلمون بدرجات الوزير ورجاله الأبرار فى المستقبل ويقررون الطعن على نتائجهم بالعقاب والحبس.

لا أعرف أن كان يعتقد أن درجات التلاميذ أحكام قضائية مقدّسة لا تحظى بالتعليق والنقد، بينما القرآن الكريم نفسه الذى أنزله رب العالمين يوضع كل يوم وبين كل الناس موضع السؤال والتعليق.

الحقيقة أن السيد الوزير والوزارة، بل الدولة كلها فى مأزق وضعتهم فيه التلميذة التى يدل تاريخها على النجابة، كما يدل اعتذارها عن عدم مقابلة قداسة البابا على وعى شديد بالمواطنة وإصرار على حقها.

الوزير استخدم لغة تهديد بدلاً من البحث عن الحقيقة وإقناع الرأى العام كيف لطالبة تحصل طوال تاريخها على أكثر من 95%، ثم تحصل فى السنة النهائية على صفر؟ ولماذا تصر فتاة متفوقة من أسرة متوسطة وجادة ولا تبدو استعراضية ولا محبة للظهور، لأن تواجه كل هذه الضغوط وتخوض هذه المعركة التى تقضى عليها إن كانوا من الكاذبين؟

الأزمة حاول احتواءها السيد رئيس الوزراء بلقائه الفتاة وتطمينها، لكن هل هناك ما هو أكثر؟!

صار ثابتاً أن الوزارة والوزير والمسئولين معه صاروا خصماً للفتاة وللوصول إلى الحقيقة التى قد تدينهم، ولهذا أتصور أن مسئولية النيابة العامة الموقّرة بصفتها نائبة عن الشعب فى الدعوى أن تبحث عن الحقيقة بشتى السبل وعما تقوله الطالبة من أن أوراق إجابتها سُرقت منها. نعم ستكون الحقيقة شديدة القسوة إن ثبت أنها سُرقت فعلاً لصالح ابن أحدهم، لكنه تطهر ضرورى، فقد سمعنا عن مثل هذه الحوادث من قبل الثورة، وآن الأوان أن نعرف وجه الحقيقة عما يحدث فى الخفاء فى الكنترول ومن يفعل؟

إن بعض أبنائنا الأكفاء تُسرق -بالمعنى الدقيق للكلمة رغم قسوته- منهم وظائفهم التى يستحقونها بدرجاتهم العلمية، وتعطى لمن هم أقل منهم كفاءة ودرجة علمية بدواعى القرابة والنفوذ وكل ما من شأنه أن يهدر مبدأ المساواة والعدل ويعيدنا إلى عصر الطوائف والمماليك.

اليوم تتحدث طالبة عن أن درجاتها وورق إجاباتها سُرق منها، فهل انتهينا إلى السرقة من المنبع ومن الكنترول وحرمان أبنائنا من النجاح أصلاً؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف