سامى عبد العزيز
بافتراض حسن النية الأمريكية
«هى أمريكا معانا ولّا مع الإخوان؟»، «هى أمريكا معانا ولّا علينا؟».. سؤالان يحملان المعنى نفسه تقريباً، وكثيراً ما يتم تكرارهما بالتبادل كل حين.. دون أن تكون هناك إجابة واحدة مقنعة فى الوقت الحاضر، ولن تكون هناك هذه الإجابة فى المستقبل.. ببساطة شديدة، لأن الولايات المتحدة تمارس لعبة السياسة من منظور واقعى، وتحدد علاقاتها الخارجية من منظور براجماتيكى نفعى، وتتبادل الأدوار وفقاً لقواعد مكيافيلية صرفة، وهى تحترم إلى أقصى درجات الاحترام والتوقير والتبجيل «مفهوم القوة»، المادية منها والعسكرية بالأساس.. ولذلك، من فضلك، لا تُتعب نفسك فى تحليل طبيعة العلاقات المصرية - الأمريكية، ولا تراهن عليها فى أى خيار مستقبلى.. فالمتغطى بأمريكا عريان!
فى الأسبوع الماضى، استضافت وزارة الخارجية الأمريكية والكونجرس الأمريكى وفداً من جماعة الإخوان المسلمين فى العاصمة واشنطن.. وقد تحدث الوفد وأسهب فى كيفية استعادة الديمقراطية فى مصر، وكيفية التصدى لهذه الثورة الشعبية التى أطاحت بهم من السلطة.. وتم استقبال هذا الوفد استقبالاً رسمياً.. وفى تبرير ذلك، أشارت الخارجية الأمريكية إلى أنها تنفتح على كل وجهات النظر، وتستقبل ممثلى كل التيارات!! ولعله من الجائز هنا أن نفتح قوساً صغيراً ونسأل الخارجية الأمريكية: (ولماذا لم تستقبلى وفداً من ممثلى «داعش»، ووفداً من ممثلى «القاعدة» للتعبير عن آرائهم أيضاً؟).. المهم.. والواضح هنا، أن الولايات المتحدة تقف ضدنا، وضد ثورة يونيو تحديداً.. بعدها بيومين، أصدر الإخوان بياناً تهديدياً بإعلان الجهاد العام ضد الثورة المصرية.. وإذا بالولايات المتحدة تعلن استهجانها وغضبها من البيان.. وترفضه جملة وتفصيلاً!! وهنا وجب التساؤل مرة أخرى: أنت مع مين بالضبط؟
علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة السعودية علاقة تحالف استراتيجى.. تدعمها علاقات تجارية واقتصادية ضخمة.. وترتبط مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة العربية بالدور السعودى بشكل كبير.. ورغم ذلك، لا مانع عند الولايات المتحدة من غض الطرف عما يمثله الحوثيون من تهديد للسعودية، ولا مانع لديها من السكوت عما يحدث فى اليمن.. وفى الوقت نفسه، ومن باب اللياقة، من الممكن أن يتم إصدار بيان استنكارى لقيام الحوثيين بإصدار مرسوم دستورى ويلغى الدستور القائم.. كله ماشى..
ما أريد أن أقوله، هو أننا يجب ألا نصدّق الولايات المتحدة فى بياناتها المختلفة.. ولا أن نفسّر مواقفها بشكل يعزز وجهة نظر معينة، أو يخدم توجّهاً معيناً.. الولايات المتحدة تخدم نفسها فقط، وترعى مصالحها فقط، ولن تمرّر لك «تمريرة جميلة» لتحرز بها هدفاً، إلا إذا كان لها من هذا الهدف نصيب، أو يخدم ترتيبها فى مسابقة الدورى العالمى..
سمعت البعض يقول إن الولايات المتحدة قد غيّرت موقفها من جماعة الإخوان بعد بيانهم الأخير.. وسمعت البعض يقول إن الولايات المتحدة قد استيقظت على واقع الإخوان المر، وعرفت متأخراً إنهم إرهابيون.. وكل هذه تفسيرات للمواقف الأمريكية بقناعاتنا نحن، وبأفكارنا نحن، وليس بأفكار الولايات المتحدة أو بطريقة تفكيرهم..
فى تراثنا العربى مثل شهير يقول: حديث زيد عن عمرو ينبئ عن زيد أكثر مما ينبئ عن عمرو.. وهذه هى الحقيقة، فحديثنا عن القواعد الأخلاقية فى السياسة هو حديث عن مفهومنا للسياسة أكثر من كونه حديثاً عن مفهومها لدى الولايات المتحدة.. وبافتراض حسن النية الأمريكية فى تصريحها الأخير باستنكار بيان الإخوان المسلمين، نقول: أفلح إن صدق.. ونقول أيضاً.. لا تعوّلوا على مواقف أمريكا، فهى متغيّرة.. وتحكمها مصالحها هى، لا مصالح الآخرين حتى لو كانت عادلة ومشروعة..
دعونا نمضى فى طريقنا، أمة واحدة لا تنكسر.. لا تتفرق.. أمة نأكل من زرعنا، ومما تصنعه أيدينا.. نضع أيدينا فى أيدى رفقاء الطريق فى أمتنا العربية، ولنقل للأمريكان وبشجاعة من يحتضن القنبلة سوف تنفجر فى لحظة فى وجهه..