الوفد
د. مصطفى محمود
ورقة اللاجئين السوريين!
يبدو أن الأيام القادمة ستكشف زيف الإنسانية وحقوق الإنسان التى يتشدق بها الكثيرون، خاصة أن اللعب بورقة اللاجئين السوريين أصبحت على المحك الآن، فتعامل الكثير من دول الجوار والدول الأوروبية مع المهاجرين ظهر بشكل مخز ومخالف لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، فاللاجئون السوريون لا يفرون من لجوء إلى أوروبا إلا بحثاً عن قيمتهم الإنسانية عبر حرية وعدالة وأمان وفرصة لمستقبل لا يقارن بما كانوا يعيشونه ليس فقط في ظل جحيم اللجوء (خارج أوروبا) بل أيضاً في بلادهم قبل ثورتهم، حلم بالحياة يستحق بنظرهم المخاطرة بالحياة، وعلى العالم مساعدتهم بتحقيقه في سوريا لتنتهي مشكلته معهم كلاجئين.
فالسوريون يعانون من تراجع حجم المساعدات الدولية جراء النقص الحاد في تمويل الدول المانحة للمنظمات الإغاثية الدولية.. والخوف أن يجىء الوقت الذى يتم فيه وقف جميع المساعدات للاجئين السوريين، خاصة أن قيمة البطاقة أو قسيمة الشراء الغذائية التي يحصل عليها النازح السوري المسجّل في مفوضية الأمم المتحدة، تم خفضها للمرة الثانية بعدما بلغت قيمتها 33 دولاراً في بداية الأزمة السورية، إلى جانب أن هناك انتقائية في اختيار لائحة المستفيدين من تلك المساعدات، التي خصصت للحالات الأكثر حاجة بين النازحين بعد دراسات تقييمية شملت معظمهم.
هذا في وقت يعيش معظم النازحين السوريين تحت خط الفقر.. واللطمة الكبرى تكمن في اتهام بعض السوريين «الثوريين» للاجئين بالهرب من المعركة وتفريغ سوريا لصالح الإرهابيين المستوطنين، أو الشماتة فى معاناة اللاجئين وتفسيرها على أنهم يدفعون ثمن تمردهم على نعيم القمع الأسدي من قبل مؤيدى النظام، وللأسف أن الاثنين لم يفكرا فى مسئوليتهما السياسية تجاه اللاجئين بحل المشكلة من الجذور مع زيادة الممارسات العنصرية لبعض الأوروبيين، خاصة أن أزمة اللاجئين ليست حالة مؤقتة، فقد شارف العام الرابع من عمر المأساة السورية على نهايته، دون أن تبدو في الأفق بوادر مشجعة لحلها، فمنذ 2011، وما يقارب من الأربعة ملايين لاجئ سوري أجبروا على مغادرة بلدهم.
معظم اللاجئين لم يستطع الوصول لأكثر من لبنان، الأردن، تركيا، العراق، أو مصر، البلدان الخمسة ضمت 95% من عبء لاجئي الحرب السورية، وبمعنى آخر، عرض الغرب باحتواء 38 ألف لاجئ لا يزيد علي واحد بالمائة من المجموع، فالسوريون وحدهم ضحايا عدم تقدير حجم الكارثة الكبير، فالمسافة بين الإمكانيات والحاجات شاسعة، الأمر الذي يراكم المعاناة والصعوبات، بحيث تتحوّل إلى مشكلات صحية وتربوية واجتماعية ونفسية، فهي مشكلات مزمنة، لا توحي المقترحات المطروحة بخصوص قضايا اللاجئين، والجهود المعتمدة لحلها، بأي احتمال واقعي.
وما يُقدّم في هذا المجال لا يتعدى كونه محاولات من المجتمع الدولي للتكيّف السلبي مع ما يجري في سوريا، وهي محاولات تركز على أعراض المشكلة من دون أية مقاربة حقيقية لجوهرها الأساس.. فالصراع في سوريا ما زال مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، وأعداد اللاجئين في تصاعد مستمر على رغم سائر القيود والصعوبات التي تواجه من يُرغم على اتخاذ القرار بترك داره ولن يكون هناك حل نهائي دون إحلال السلام، الأمر الذي يبدو بعيد المنال راهناً، على الأقل في المدى المنظور، وذلك استناداً إلى المعطيات الميدانية وتفاعلاتها مع المعادلات الإقليمية والدولية.
وللأسف أن هناك دوراً قذراً آخر تلعبه قطر فى ورقة اللاجئين السوريين بدفعهم للخروج إلى خارج سوريا والتوجه إلى الدول المجاورة لخلق أزمة إنسانية واقتصادية لتلك الدول!.. فقطر دفعت أموالا لبعض العائلات والأفراد من المواطنين السوريين لإخراجهم خارج سوريا مع إيهامهم بأنهم سيعودون إلى بيوتهم بعد قيام الإعلام القطري والغربي بتصويرهم وإجراء مقابلات صحفية مع بعض منهم والتحدث على أنهم تركوا بيوتهم من هول القمع والقتل الذي كان يقوم به النظام السوري.
والسؤال الآن هل ستظل الدول الأغنى في المجتمع الدولي فاشلة بتشخيص المشكلة وعلاجها، فعدد السوريين الذين يحتاجون المساعدة سيظل يتزايد.
الآن 6.5 مليون سوري نازح داخل سوريا، وكثير منهم يجدون الفرصة - أو أخيراً يجبرون - على مغادرة البلاد.. وكأن التفجيرات والدمار ليست كافية، الاقتصاد السوري والبنية التحتية تتهاوى.. الارتفاع الحاد في سعر الوقود والأمور الأخرى تجعل من المستحيل للعائلات الفقيرة أن تلبي احتياجاته إلا بالهجرة.
وفى الواقع هناك حلان لمشكلة اللاجئين، وكلاهما للأسف مر، الأول يعتمد على وصول الوضع في سوريا إلى نهاياته، بالحل السياسي وهو حل لن يسمح للغالبية الساحقة من اللاجئين بالعودة في ظل مخطط تهجير طائفي يهدف لخلق واقع ديموغرافي جديد، أو دعم ما يسمى بالثورة السورية عسكرياً للتخلص من النظام.. أما الحل الثاني فيكمن في تحويل كل المناطق المحررة إلى مناطق آمنة يُفرض فيها حظر جوي مع فتح ممرات إغاثة إنسانية «بالقوة» للمناطق المحاصرة ومنع قصفها.
ونحن فى النهاية بانتظار وصول الأمور في سوريا إلى نهايتها لأن معظم السوريين في الخارج في ظروف سيئة للغاية، فلاجئ السوري دفعث من الثورة، ويبحث عن المخرج الحقيقي، الذى يجب التركيز عليه لحل مشكلة اللاجئين.. وليس اللعب بمصير الشعب السورى لمصالح سياسية قذرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف