محى السمرى
بين صفر المونديال وصفر الثانوية العامة
في معظم الأحيان - إن لم يكن في كلها - يكشف الرقم "صفر" عن سلبيات كثيرة.. ويبدو أن المسئولين لايهتمون بنتائج "الصفر" رغم انه قد يؤدي إلي آثار مدمرة.
مثلا .. منذ سنوات.. داعب بعض المسئولين ومن بينهم وزراء.. حلم اقامة مباريات كأس العالم في مصر.. ولتحقيق هذا الحلم اعتمدت الدولة مبالغ طائلة وعقد القائمون علي هذا المشروع عدة اجتماعات وشكلت عدة لجان.. ولم يعد في مصر حديث في ذلك الوقت إلا عن إقامة هذه المباريات في مصر.. ولكن المسئولين لم يهتموا بالاشتراكات والقواعد الواجب توافرها عند اقامة مثل هذه المناسبات.. واكتفوا بالتأكيد علي ان الاتحاد الدولي لكرة القدم وعدهم بتحقيق طلبهم في إقامة مباريات كأس العالم علي أرض مصر.. ولكن عند الاعلان عن اسم الدولة التي تقام فيها المباريات كانت المفاجأة المذهلة ان مصر حصلت علي تقدير "صفر".. ولم تحصل علي درجة واحدة في أي بند من بنود الاختيار.
وكشف هذا الصفر عن الاسباب التي دعت الاتحاد الي اعطاء مصر هذا التقدير حيث تبين انه لاتوجد ملاعب كافية وبعضها في حاجة الي تطوير وصيانة.. والشوارع مزدحمة جدا والمرور مرتبك للغاية وقالوا "ما قال مالك في الخمر" من حيث السلبيات في الاستعدادات والامكانيات وبالتالي حصلت مصر علي صفر.. وهكذا ضاعت الفلوس التي انفقناها.. وكانت فضيحة ورغم ذلك لم يحدث أي رد فعل رسمي نحو هذا الاهمال والقصور وغياب الدراسة والامكانيات.
تذكرت هذا الصفر والناس كلهم يتابعون حدث غريب لانجد له تفسيرا.. فعند اعلان نتيجة الثانوية العامة تبين ان الطالبة مريم ملاك حصلت علي صفر.. وثارت الفتاة وأهلها واهتمت اجهزة الاعلام حتي وصل الاهتمام الي رئيس الوزراء نفسه.
وبصرف النظر عن نتيجة هذه الطالبة.. لأن الامر كله رهن التحقيق.. إلا انني أتعجب شكلا من هذه النتيجة واتساءل: هل حقيقة ان الفتاة دخلت الامتحان؟ واذا كانت قد دخلته فهل أجابت عن اسئلة الامتحانات في كراسات الاجابات؟
اذا كان هذا قد حدث.. فهل كانت الفتاة غائبة عن الوعي أثناء الامتحانات أو انها أجابت باجابات عن اسئلة أخري غير اسئلة الامتحان.. أو هل تعرضت الطالبة الي أزمة نفسيه وهل هذه الأزمة لازمتها طوال ايام الامتحان والتي استمرت أكثر من 20 يوما..!
وهل حصلت علي تقدير صفر في كل المواد أو في بعضها فقط..
أفهم ان يكون هناك تفاوت في درجات المواد.. فهناك مثلا مادة كان تقديرها صفرا واخري حصلت علي درجة واحده أو خمس درجات أو الحد الادني للنجاح.. ولكن ان يكون تقدير كل المواد صفرا فهذا أمر غريب وفي حاجة الي تفسير.
بصراحة كنت اتوقع ان نسمع ردوداً مقنعة من المسئولين عن امتحان الثانوية العامة ولكنني سمعت مثلا رئيس كونترول اسيوط يقول ان الورقة المثبتة علي ورقة الاجابة ليكتب الطالب او الطالبة الاسم ورقم الجلوس عليها قد تركت أثرا علي الصفحة الاولي من الاجابة.. وهذا الأثر بفحصه تبين ان اسم الطالبة.. بصراحة لو كان هذا الكلام حقيقياً فالمصيبة تكون اعظم لانها تؤثر بالتأكيد علي سرية الاسماء.
بصراحة أكثر وأكثر لقد كشف هذا الصفر عن عدم جدوي هذا النظام المركزي الغريب للثانوية العامة وعن فقدان الثقة بين أولياء الأمور والطلاب في نتائج امتحانات الثانوية العامة.. ومعهم حق في ذلك فقد اعلنت وزارة التربية والتعليم ان هناك عدة آلاف من الطلاب طعنوا في نتائجهم وكشف فحص اوراق الاجابات عن احقية بعضهم في زيادة الي مجموعهم نتيجة بعض الاخطاء.
والحقيقة انه لابد وان يحدث اخطاء في عمليات التصحيح وفي جمع الدرجات بل وفي اعلان النتائج ذاتها لأن عدد التلاميذ يزيد علي نصف مليون طالب وطالبة وأوراق الاجابات تصل الي عدة ملايين.. واعمال التصحيح واعلان النتائج لايستغرق الا أيام قليلة.. كيف يمكن لأي انسان ان ينجز هذا العمل الجبار في هذا الوقت الضيق!! بدون أخطاء؟!
لقد كشف هذا الصفر عن ضرورة اعادة النظر في نظام الثانوية العامة.. يكفي العقول ان هذه الشهادة لم تعد الا كوبري لكي يعبر عليه الطلاب الي الدراسة الجامعية ليس إلا.. وحتي الطلاب اصبحوا يفضلون الدراسة في جامعات خاصة!! وزمان كانت هذه الشهادة لها قيمة في كل شيء.. فقد كانت تعتبر مسوغا مهماً للتعيين وشهادة محترمة للالتحاق بالجامعة اما الان فإن مستواها اصبح متدنيا هزيلا ولاتصلح كمسوغ للتعيين في أي وظيفة والمستوي التعليمي لها ضعيف وتافه.. ولا أدري أي مبرر لكي تجمع الوزارة في يدها كل تلاميذ جميع المحافظات.. لماذا الاصرار علي كون هذه الشهادة هي شهادة كبري.. اعتقد انه آن الأوان لكي تكون كل محافظة مسئولة عن الثانوية العامة تماما مثل الشهادة الاعدادية.. بالتأكيد سيكون مستوي التعليم أفضل والاعداد أقل فلا تحدث مشكلة مثل مشكلة الصفر.. خصوصا وان معظم المحافظات لديها جامعات حكومية متواجد فيها كليات لها صفة العمومية ومن الممكن اضافة كليات اخري تابعة من بيئة المحافظة.. انه مجرد اقتراح ليته يأخذ طريقه للدراسة علي يد الخبراء والمتخصصين.
والواقع يؤكد ضرورة اعادة النظر في الثانوية العامة بحيث تصبح شهادة عادية لها قدرة علي ان تكون قوية تعطي مؤهلا حقيقيا.. وليس سرابا خاصة وانها لم تعد الامل في الوصول الي رغبة الطلاب في تكملة دراستهم الجامعية. المطلوب بالفعل اعطاء الحرية للمحافظات في ان تعقد امتحانات الثانوية العامة لطلابها.. واعتقد انه لامبرر علي الاطلاق لكي تتمسك الوزارة بنتيجة هذه الشهادة لها مركزيا.. ولا اري مبررا ايضا لان يكون امتحان طلاب مطروح مثل امتحانات طلاب اسوان.. لان هذه الشهادة حاليا لاتحقق مبدأ تكافؤ الفرص.. نحن نستعد للانطلاق نحو غد افضل.. هذا الغد لن يأتي الا بتطوير التعليم والبداية يلزم ان تكون بالنسبة للثانوية العامة.