يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن - قبل الانتخابات
مع أن المصريين يحلمون لبلدهم أن تكون أجمل بلاد الدنيا. وأحلي صبايا العصر. ولذلك فهم متشوقون لبرلمانهم. ولكن أي برلمان هذا الذي نجري إليه؟
تقول قيادات حزب النور أنها تتعرض لحملة شرسة في الصحافة المصرية ضدها. يحاول القائمون علي الحملة حرمانهم من المشاركة في الانتخابات التي وجدنا أنفسنا في لهيبها بين يوم وليلة. وأن هذه الحملة جاوزت الأعراف والتقاليد والقيم التي يجب مراعاتها عند القيام بحملة صحفية.
مع أنه لا توجد حملة ولا يحزنون. المسألة ببساطة أن الدستور المصري الحالي ينص صراحة علي رفض الأحزاب الدينية. قد يردون عليَّ بالقول أن القوانين المنفذة للدستور لم تصدر بعد. وأنها في انتظار البرلمان القادم لكي يصدرها. وبالتالي يظل الدستور نصاً قانونياً فوقياً ينظم العلاقة بين سلطات الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية.
لكن عدم صدور القوانين المنفذة لما جاء في الدستور من مبادئ عامة لا يبرر السماح لحزب ديني بأن يدخل الانتخابات إلا إن كان المصير الذي ينتظر الانتخابات أن يصدر حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الانتخابات لأنها خالفت مبدأً أساسياً من مبادئ الدستور. عندما قبلت اللجنة العليا للانتخابات أوراق ترشيح أعضاء حزب النور السلفي.
كل ما جري إبداء آراء من بعض الكتاب لا أكثر ولا أقل. وأعتقد أن الحق في إبداء الآراء مكفول للجميع. بشرط أن تكون آراءا فقط. وألا تتجاوز إلي ما هو أبعد من مجرد إبداء الرأي. أما مصادرة الرأي قبل أن يكتبه صاحبه أو يقوله فهو نوع من الإرهاب الذي يجب أن نرفضه من الآن وقبل الدخول في رواق المعركة الانتخابية.
الجهة الوحيدة التي كنت أتمني أن أسمع رأيها في القضية التزمت بالصمت. وهي اللجنة العليا للانتخابات. وأنا أقر وأعترف أنهم قضاة أفاضل. وأن القاضي لا يجب محاسبته علي ما يفعله خلال القيام به. وربما لم يكن مطلوباً من القضاة أن يصبحوا طرفاً فيما يكتب ويقال كل يوم. وإلا لن يتمكنوا من القيام بالدور المنوط بهم بالشكل المطلوب.
ومع هذا فإن صمت اللجنة العليا للانتخابات ليس من ذهباً. والكلام في هذا الموضوع ليس من فضة. ولا توجد جهة أخري في الحكومة أو غيرها نلجأ إليها لنستمع لرأيها في هذه المسألة المحيرة.
حلان لا ثالث لهما لا بد منهما قبل أن نصل لأيام التصويت. إما أن يقوم حزب النور السلفي بإعادة النظر في برنامجه ومسلماته حتي يستقر في يقيننا أنه ليس حزباً دينياً. يعتبر الدين حجر الزاوية في أدائه اليومي. أو إن رفض الحزب ذلك - ولديَّ يقين أن رفضه مسألة مؤكدة - فيبقي علي اللجنة العليا للانتخابات أن ترفض قبول أوراق مرشحي حزب النور.
اللعبة شبه مكشوفة. فحزب النور يراهن علي أنه الحزب الوحيد علي الساحة المصرية الذي ينطلق من مرجعية دينية. وأن كل من يتحرك علي أساس ديني يشكو من التهميش والإبعاد والإرهاب. ولا أدري أي إرهاب يواجهون به؟ وحتي لو كان هذه الإرهاب موجوداً فيمكن أن نسميه: إرهاب الإرهاب.
حزب النور السلفي يعرف أن الانتخابات قدر مصر الآن. لا بد أن تتم لإحساس داخلي أنه لا بد من استكمال خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما بدأ ثورته التي أصبحت ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان. وأن وجود مصر بدون برلمان يبقي مثل الجملة الناقصة التي كتبنا المبتدأ الخاص بها ولم ندون بعد الخبر الذي يجعلها جملة مفيدة.
لن أضع رأسي في الرمال. ولا أتحدث عن ضغوط الغرب التي يمكن وصفها بأنها ضغوط غريبة. والتي تجاوزت كلمة الضغوط لتصل إلي تعبير آخر هو التدخل السافر في شئوننا الداخلية. بطريقة من كثرة تعودنا عليها لم يعد البعض منا يشعر بالاستغراب أو الدهشة أو الرفض لما يتم.
مع أن المصريين يحلمون لبلدهم أن تكون أجمل بلاد الدنيا. وأحلي صبايا العصر. ولذلك فهم متشوقون لبرلمانهم. ولكن أي برلمان هذا الذي نجري إليه؟ ونحن نجد حزباً دينياً يتحرك علي أسس دينية يدخل حلبة الانتخابات. وهو مرشح بهذه الطريقة أن تتسلل عناصر الإخوان من خلال قوائمه. لا يقول لي أحد إن الخلافات بين الإخوان والسلفيين عميقة وخطيرة. فلا بد أن نفرق بين التكتيك والاستراتيجية. التكتيك لحظات عابرة والاستراتيجية موقف نهائي من كل ما يجري في العالم.
نقطة الضعف في موقفنا الآن هي في شيوع الإحساس الديني الذي كان موجوداً في مصر علي مر العصور. والمقارنة بين حزب له مرجعية دينية وأحزاب ليست لها مرجعية دينية. ونتيجة المقارنة قد تكون ليست في صالح مصر. فماذا نحن فاعلون قبل أن تحين لحظة الحقيقة ونجد أنفسنا أمام صناديق الانتخابات؟!.