هل جربت أن تشاهد فيلماً سينمائياً وتقرر بعد انتهائه ونزول التترات أنك ستكرر مشاهدته مرة أخرى وربما مرتين أو أكثر؟ أنا جربت هذا الشعور أثناء مشاهدتى لفيلم «خطاب الملك «أو «The King speech».هذا الفيلم الذى منح صناعه جميعاً أنفسهم لذلك العمل الفريد، ليخرج عملا ينتزع مكانة فى تاريخ السينما العالمية كواحد من أروع الأفلام. لذلك لم أندهش لحصول الفيلم الذى أنتج عام 2010 على أربع جوائز أوسكار عام 2011. جائزة أحسن فيلم، أحسن ممثل، أحسن مخرج، وأحسن سيناريو .
فيلم يأخذك من كل شىء لتغوص فى تفاصيل القصة وملامح الشخصيات بكل ما تحمله من تعبير طبيعى، مذهل فى صدقه. القصة حقيقية عن أمير يورك واسمه الأمير ألبرت أو»بيرتى» كما كان والده الملك جورج الخامس يناديه .هذا الأمير يعانى من مشكلة التلعثم والتأتأة فى الكلام .ويحاول بمساعدة زوجته الجميلة المحبة علاج هذا العيب دون جدوى، وفى النهاية يقرران التوقف عن تلك المحاولات لأنهما لا يطمحان إلى الحكم والسلطة، ويقتنعان بالبعد عن كرسى العرش ومباركة تولى شقيقه الأكبر عرش البلاد بعد وفاة أبيه.
تتوالى الأحداث،يمرض الأب، ونراه يحتضر، يأتى الأخ الأكبر الذى كان بعيداً عن القصر فى ذلك الوقت، مشغولا بقصة حب جارفة مع مسز سامبسون، المطلقة مرتين قبل أن يلتقيها.يحاول الأمير ألبرت أن يقنعه بالابتعاد عن هذه المرأة اللعوب دون جدوى، وينتهى الأمر بالأمير ألبرت بالانصياع للأمر الواقع وتولى عرش بريطانيا رغم رعبه الداخلى من قدرته على تحمل تلك المسؤولية الضخمة فى ظل علته الرهيبة التى تصنع حاجزا منيعا بينه وبين الجماهير من شعبه.
وهنا يحاول مرة أخرى أن يعالج علته بتشجيع ومساندة من زوجته وطبيبه المخضرم «ليونيل لوج» .محاولات مضنية وإحباطات رهيبة كانت كفيلة بمنعه من الاستمرار فى العلاج. وهنا تتجلى الإرادة الإنسانية فى أروع صورها.إرادة تجمعت فى الثلاثة معا :الملك وزوجته وطبيبه الحكيم لتصنع المعجزة .
الفيلم إخراج توم هوبر وبطولة كولين فيرث وهيلينا بونهام كارتر وجيوفرى راش وجاى بيرس ومايكل جامبون وسيناريو ديفيد سايدلر .حاز على العديد من الجوائز الأخرى إلى جانب الأوسكار وأشهرها جائزة البافتا لأفضل فيلم وجائزة جولدن جلوب لأفضل ممثل عام 2011.
من أقوى اللحظات الدرامية فى الفيلم عندما فرضت الظروف على الملك أن يلقى خطابا من ثلاث صفحات ليلقيه عبر الراديو الذى كان وقتها هو وسيلة الإعلام الوحيدة المسموعة قبل اختراع التليفزيون، وكانت بسبب إعلان هتلر الحرب على بريطانيا، وهنا يستدعى «ليونيل» طبيبه ليساعده فى الوقت القصير المتاح 40 دقيقة ويحاول الطبيب مراجعة كل الأساليب التى تعلمها أثناء الجلسات السابقة من شهيق وزفير .سب وشتم بصوت عال .و غيرها
يهرع بعدها «ليونيل» و»ألبرت»إلى ستوديو صغير لإلقاء خطاب الملك حيث تسكت الأصوات جميعا ترقبا لما سيقوله الملك المصاب بالتأتأة وكيف سيقوله .
المشهد الرائع سجلته الكاميرا متجولة بين وجوه جميع من بالقصر من عاملين ومسؤولين وعائلة مالكة وهم يتابعون بقلق وترقب ما سوف يقوله .ثم تنتقل الكاميرا لتنقل مشاعر وتعبيرات المواطنين فى الشوارع والمقاهى والبيوت مجتمعين حول الراديو للاستماع لخطاب الملك بينما تتملكهم مشاعر مختلطة مضطربة تبحث عن الأمان من خلال ملكها .ينجح الملك فى إلقاء الخطاب كاملا دون تأتأة أو تلعثم، ويفرح الناس لزوال السحر الذى كان يمسك لسان ملكهم المحبوب .
ينفتح باب الاستوديو ويخرج الملك منتشيا بعد معركة نفسية قاسية ليواجه مساعديه وأفراد أسرته الذين وقفوا مصطفين،منبهرين بقدرته فى تجاوز محنته، وإصراره على أن يكون جديرا بتولى العرش .وارتفع تصفيق الحضور تحية له بينما تطفو السعادة على وجهه .
الملك جورج السادس خلفته ابنته إليزابيث الثانية فى تولى عرش بريطانيا ولا تزال ملكة بريطانيا حتى الآن .