البعض يري ان من أهداف زيارات الرئيس الخارجية، إعادة تقديم مصر للعالم الخارجي.. والبعض يراها إحياء لعلاقات قوية وقديمة، والبعض يري فيها إعادة «تسويق مصر» عالمياً، بعد سنوات عجاف مر بها الوطن، وان كان البعض يراها مجرد زيارات مجاملة لهذه الدولة أو تلك.. أي لمجاملتها في مناسبة انتصار حققته هذه الدولة أو تلك.. خصوصاً أن بعض هذه الدول كبير وقوي، وبعضها «كانت» لها علاقات مميزة، أو تاريخية مع مصر.. ولكنني أري- أيضاً- أسباباً عديدة «لبعض» هذه الزيارات!
<< حقيقة كانت معظم الزيارات- من سنوات بعيدة- ترتبط بمصالح معينة، أو تقوم بسبب علاقات شخصية، ولكنني أري في زيارات الرئيس «السيسي» أغراضاً أخري، أكثر إيجابية.
مثلاً: كان يمكن أن يغلق الرئيس «السيسي» الباب علي نفسه- داخل حدود الوطن- لكي يتفرغ لإعادة البناء، وأن تتاح له فرصة أكبر للدراسة والبحث، عما بقي تحت يد الوطن، من إمكانيات.. ليتمكن من إعادة توظيفها لخدمة الناس، حتي يتمكن- أكثر- من أن يقود السفينة كربان ماهر، يخوض بها هذا البحر العاصف، العاتي، الذي يحيط بنا من كل جانب.
<< ولكن الرئيس فضل ألا يضيع الوقت، وأن ينطلق بكل ما بقي تحت يده من امكانيات لينمي ذلك، ولكنني أري أن المهمة الأساسية وراء هذه الزيارات هي أن يخاطب العالم.. وأن يقول له ان مصر مازالت صامدة، وقادرة، ومستعدة لأن تعبر كل الأزمات التي تهز المنطقة من الأعماق، بل انها قادرة علي النهوض وعلي العمل ومن المؤكد ان نجاحه، ونجاحنا، في تنفيذ مشروع قناة السويس بالتمويل الذاتي، وبالقدرة الشعبية كان أفضل رسالة أراد أن يبعث بها للعالم، أي «مصر تستطيع».
<< وكان ذلك واضحاً من زيارات الرئيس لدول كبري مثل فرنسا وألمانيا ثم مثل روسيا.. وكذلك مثل الدول العظمي الجديدة، وبالذات مثل الصين، وراقبوا الربط بين تجارب الصين في النمو والتنمية والتصنيع.. وتجربة دولة صغيرة المساحة مثل سنغافورة.. ولكنها- وبكل المقاييس، تجربة شديدة الثراء، خرجت بها سنغافورة من دولة قزمية رأت حتي في وحدتها مع دولة أكبر منها هي ماليزيا ما يمكن أن يؤخرها.. فتملصت من هذه الوحدة وانطلقت تنفذ تجربتها، وتنجح فيها هذا النجاح الذي جعل من كل مواطن فيها ينعم بهذا الدخل غير المسبوق.. عالمياً.
<< وهنا كان الدرس الأول: أي لا يهم حجم الدولة، ولا امكانياتها، ولكن المهم هو المثل والقدوة.. وكيف تخرج من العدم إلي القمة، وخلال فترة زمنية لا تتعدي الـ30 عاماً، وتلك هي المعجزة.
والدرس الثاني أن يتعلم منها كيفية مواجهة عجز ما.. وقد كانت سنغافورة تعاني من ندرة في المياه العذبة، ومن مشكلة تزايد مياه الصرف الصحي.. ومياه الصرف الصناعي، وهما مشكلتان تبحث مصر عن حل لهما، وبالذات بعد أن دخلنا عصر الندرة المائية وما نواجهه من مشاكل مياه الصرف بنوعيه: الصحي والصناعي.. وما يسببه ذلك من أمراض تنهش جسد غالبية المصريين.
<< وكانت سنغافورة هي المثل، ولذلك حرص الرئيس علي أن يصحب معه وزير الموارد المائية والري- د. حسام مغازي.. ليدرس هناك وعلي الطبيعة مثل هذه المشكلة: خصوصاً اننا في مصر نواجه مشاكل الصرف الصحي والصناعي.. فضلاً عن الزراعي، وهذا ما جعل الوزير يواصل زيارته لسنغافورة، ولم يواصل الرحلة مع الرئيس إلي الصين، أو إندونيسيا.
<< وكان الدرس الثالث، في تواجد الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس طوال الرحلة- وبالذات في سنغافورة- لأن سنغافورة هي الدولة الأفضل التي عرفت كيف تستثمر موقع بلادها، التي كانت «مجرد معبر» للسفن التجارية.. وكان كل ما تقدمه هذه الدولة صغيرة المساحة هو «مجرد خدمات تموين السفن».
ولكن سنغافورة عرفت قيمة «هذا الموقع» وعرفت كيف تستثمره.. بل وتطوره.. وتتحول إلي ثالث أكبر ميناء في العالم لسفن الحاويات.. وهي أكبر سفن العصر.. وأن تستحوذ علي حوالي ربع التجارة العالمية.. بسبب هذا الموقع.
<< وهذا بالضبط هو نفس «موقع قناة السويس عندنا» التي كانت مجرد نقطة عبور.. أو منفذ مرور، لا نحصل منه إلا علي القشور.
ولكن الفكر عندنا تطور.. وتساءلنا: لماذا لا نستثمر أفضل هذا الموقع، لنتحول مثلاً إلي سنغافورة أخري.. أو إلي هونج كونج أخري.. أي «الاستفادة» من مزايا الموقع أكثر من كونه مجرد نقطة عبور.. تقدم خدمات للسفن العابرة.
<< ولا نتكلم هنا عن زيارة الرئيس للصين، فالكل يعرف ما هي الصين، ولكن عندما يزور الرئيس دولة مثل إندونيسيا فهذا هو الدرس الرابع، ذلك ان إندونيسيا رغم تعدد جزرها.. ورغم غالبية ديانة سكانها وأغلبهم مسلمون، إلا أن هناك أيضاً من يدينون بدايانات أخري، بعضها سماوي وبعضها غير ذلك.
ولكن المؤكد ان إندونيسيا استطاعت أن تعمل في صمت شديد وبإصرار أشد، لكي تصبح أحد نمور آسيا الاقتصادية الكبري.. ولكن كيف؟
<< هنا يأتي السؤال: كيف نستفيد من كل هذه التجارب وكيف نجيب علي هذه التساؤلات.
ذلك هو المعني الحقيقي من زيارات الرئيس «السيسي» الأخيرة لدول جنوب وشرق آسيا.
<< هل نتعلم؟!