المساء
خيرية البشلاوى
رنات .. الشمس والقمر في مونتريال
في الريف زمان قبل دخول الكهرباء إلي القري المصرية. كنت أسمع أهلي في القرية يقولون إن ليالي القمر مثل ليالي العيد.
ضياء يكسر ساتر الظلام. أصوات الصبايا في الطرقات الترابية الضيقة يبدد صمت الليالي العتمة.. مرح وانطلاق يتحدي الخوف.. فالسماء ضياء والنجوم تفرش ظلها علي الأرض والدنيا أمان.. لم يكن هناك راديو ولا تليفزيون ولا سينما بالطبع ولا كمبيوتر الذي انتشر هناك الآن.
هنا في مونتريال التي أزورها لأول مرة تحتل الشمس مكانة القمر في موسم الصيف. فالدفء عيد. ومناسبة للانطلاق ودعوة للخروج. وأشعة الشمس تركة السماء لسكان هذه الأرض.. حتي "القمر" يجد متسعاً في الأفق الرحب الخالي من الضباب ليطل بضياء آسر.
الصيف متعة كبيرة حين يأتي بعد شتاء لا تصفه كلمة "قارس" وإنما نحتاج كلمة أكثر تعبيراً عن وحشته وقسوته.. إنه "كابوس" بالتأكيد لمن يأتي من بلاد شمسها مشرقة طوال السنة.. والحمد لله إن خوفي منه تبدد لحظة وصولي إلي كندا.. فالشتاء هنا لا نعرفه في مصر ثلوج تلغي المشهد الأخضر الرائع الذي يلفت نظرك بقوة وتلغي الألوان المبهجة للزهور. وتشل حركة "السنجاب" نعم هذا الحيوان خفيف الظل والوزن الذي يتحرك بحرية مدهشة في الحدائق العامة والشوارع في الأحياء البعيدة عن وسط المدينة.
الصيف في مونتريال موسم للاحتفالات.. للدفء.. للمهرجانات الفنية في الأسابيع القليلة الماضية شهدت المدينة مهرجانات لأفلام "الفانتازيا" و"الأطفال" ومهرجان للموسيقي الكلاسيك وآخر للموسيقي الإلكترونية وللثقافة الرقمية.. ثم المهرجان الدولي للأفلام السينمائية مونتريال في دورته التاسعة والثلاثين الذي ينتهي غداً "الاثنين" ليبدأ مهرجان تورنتر السينمائي الدولي الأربعين بعد ثلاثة أيام "10 - 20 سبتمبر".
ميدان الفنون في وسط المدينة يعج ليلاً بعشاق الفنون. شاشة عملاقة تتوسطه ومقاعد مريحة تستقبل رواد الشوارع وعشاق السينما إلي جانب متحف للفنون الحديثة وأوبرا.
لاشيء هنا يضاهي الدفء الذي يطول البدن وينعش الروح ويفتح الشهية للاحتفالات المتواصلة.. إن للفنون بأنواعها عشاق يستطعمون مذاقها ويحتفون بها ويقدسونها.. في الشارع مكان لا صخب ولا قمامة ولا زحام ولا غضب مجاني أو استعداد عفوي للاستقبال العضلي فالفنون ضرورة لتهذيب الروح والنفس والمهرجانات كذلك رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها والانكماش المضطرد في ميزانيتها وتراجع عدد رعاتها وخضوعها للأحوال السياسية أحياناً.
تواجه المهرجانات ايضا التكلفة الباهظة لضيافة النجوم العالميين "الأمريكيين في الأساس" والشروط المعجزة التي يضعوها لضيافتهم.
ويلفت النظر في دورة مونتريال قلة النجوم المعروفين. ربما يتواجد عدد منهم في تورنتو عموماً أري من وجهة نظري المتواضعة أن وجودهم قد يخدم حب المنظرة وشهوة الدعاية ولذا سنجدهم أكثر في مهرجانات دبي وأبوظبي وقطر هناك سيجدون مبتغاهم ويشبعون غرورهم وجيوبهم.
سألوا سيرج لوزيك "84 سنة" مؤسس مهرجان مونتريال ومديره منذ تأسيسه عن مستقبل المهرجانات السينمائية الدولية أجاب: إذا قدر لعدد قليل من المهرجانات أن تستمر فمن المؤكد أن مهرجان مونتريال سيكون واحداً من هذه المهرجانات الباقية.
فمن دون المهرجان واختيارات القائمين عليه وحرصهم علي توفير هذا العدد الكبير من أفلام الدنيا سوف يتغير المشهد السينمائي في هذه المدينة.
فالتنوع الثقافي ضرورة. والتفاهم بين الشعوب عبر وسيط "الفيلم" هدف يوفر المزيد من الدفء والتقارب في بلد مثل كندا تضم العديد من الأقليات والجنسيات والأجناس حيث تحرص كل أقلية علي الفرجة علي أفلام بلدها الأصلي حيث الثقافة والعادات والتقاليد والظروف التي تسهم علي نحو غير مباشر في تثبيت مقوماتها الإنسانية.. وقد اختار المهرجان في هذه الدورة ما يقرب من 270 فيلماً روائياً طويلاً. إلي جانب 199 فيلماً قصيراً.
والملاحظ أن النسبة الأكبر من الأفلام - كما عادة المهرجانات ذات التوجه الثقافي بالضرورة - تندرج ضمن نوعية الإنتاج الضخم وليست من أفلام التيار الرئيسي التجاري فهذه النوعية الأخيرة يبحث عنها الموزعون.
الأفلام في كل مستوياتها تعكس الخريطة السينمائية للعالم. إنها مؤشر كاشف للأفكار والاحتياجات والعواطف الإنسانية وبالضرورة للمشكلات المشتركة بين الشعوب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف