عبد الحليم رفاعى حجازى
في ظلال القرآن العظيم .. فريضة الحج مدرسة "2"
لقد شرع الله الحج ليعلم عباده كيف يترفعون عن الأحقاد والأضغان ويتناسون الشحناء ومن ثم جعل الله موسم الحج موسم أمان وسلام يأمن فيه كل فرد علي نفسه ومتاعه علي النحو التالي:
- أن للعبادة في الإسلام مفهوما يشمل أي عمل يتجه به الإنسان إلي ربه مخلصا. فالجهد المخلص الذي يبذله الفرد أو المجتمع في سبيل الخير "عبادة" وفي هذا الضوء نستطيع أن ندرك تلاقي الجهود المخلصة من أجل المصلحة العامة وأنه إذا كانت حكمة "الرمي" تعبر عن كراهية الشر والشيطان فإن حكمة "الطواف" تعبر عن الخير والحب حين تتحرك الجموع وتدور حول بيت ربها وتستلم الركن أو تشير إليه مكبرة داعية.
- لابد للحجاج في فريضة الحج كعبادة من تنظيم سابق ينظم به المرء أمر نفسه وكفالة أهله من ورائه عند سفره وما يلزمهم في أمر معاشهم ومما يحمل مسئولية البيت والعمل عند السفر.. ثم وهو في الحج يعبد الله عبادة يتحرك فيها الإنسان طائفا وساعيا إلي عرفات مفيضا إلي المشعر الحرام ثم إلي "مني" عائدا إلي مكة. ومع هذه الحركة الدائبة يرتفع صوته بالتلبية والتهليل والتحميد والتكبير تاليا كتاب ربه مصليا علي نبيه متجنبا قول الزور والجدال وقلبه في هذا كله يذكر ربه منيبا إليه يرجو رحمته ويخشي عذابه. بل إننا لو تأملنا سائر العبادات لوجدنا فيها هذا الطبيعة المتكاملة. فالصلاة مثلا عبادة تستغرق القلب واللسان والجوارح والفكرة. "مواقف إسلامية" أ. د. عبدالعزيز كامل ص.138
- وأن الحج الصحيح هو من أدرك "عرفة" ووقف بها لقول الرسول "الحج عرفة".. وفي الحج يلتقي المسلمون علي ميقات معلوم ويأتون المناسك في أيام معدودة ليتعودوا الدقة في العمل والنظام في السلوك ويسألون الله توفيقهم ويربطهم بأسباب "يوم عرفة" وهو ذلك اليوم العظيم الذي قال فيه الرسول "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة. ينزل الله تبارك وتعالي إلي السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلي عبادي جاءوني شعثا - "متفرق الشعر" - غبرا "من أصابه التراب" - ضاحين "الواقف في الشمس". جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة.
وأن "عبادة الحج" عبادة كاملة ومتكاملة حيث يقول الله تعالي "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" الحج 27 - وهي فضلا عن كونها عبادة - تؤكد ضرورة الاقتداء بالقدوة والتأسي بالأسوة كما قال الرسول "خذوا عني مناسككم" وبالتالي فإننا نجد هذا الدرس العملي الهادف حيث دعا فيما دعا إليه كما يلي:
- التدريب علي لون من المثالية حيث تتم "التخلية" من الرذائل كما تتم "التحلية" بالفضائل والكمالات وأعمال البر.
"وللحديث بقية"