هشام النجار
«محمد رسول الله » بسينمات مصر
تتجهز العائلات المصرية لحضور فيلم «محمد رسول الله» الذى أشرف على إنتاجه الأزهر الشريف بدور العرض المصرية، الشباب والزوج وزوجته والفتاة وخطيبها والابن وأمه يجلسون فى وقار وانبهار يقتربون من انسانية محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته وسماحته أمام عمل ابداعى راق، دون خدش لقدسية الرموز أو مساس بالثوابت، أو تجسيد لشخص النبى المصون، ويخرجون يلتقطون «سيلفى» مع أفيش الفيلم ، راضين عن ارتقاء المشهد الثقافى واحترامه لأذواق الجمهور، وتطور الأزهر، وامتلاك مصر أحد أهم وسائل القوة الناعمة المؤثرة فى المشهد الحضارى العالمى، ويتدارس المراقبون مدى اسهام حدث كهذا وتوابعه فى تقليص مساحات التطرف والارهاب!
للأسف هذا المشهد تخيلى ، لكنه يحدث الآن بنفس هذا التوصيف فى ايران ، فقد تم انتاج الفيلم الايرانى «محمد رسول الله» واخراجه بشكل خرافى ويتوافد الايرانيون فى مسيرات عائلية حضارية لمشاهدته، وغداً سيعرض فى أهم دور العرض السينمائى فى العالم .
تألم الكاتب الكبير يسرى الجندى لموقف الأزهر الشريف ويحكى بمرارة كيف شعر بالغيرة عندما رأى مسلسل «يوسف الصديق» الذى أنتجته ايران ونال نسبة مشاهدة مرتفعة فى العالم الاسلامى والعربى ، فقد كان لديه مشروع فني عبارة عن مسلسل عن سيدنا الحسين وآخر عن الخوارج والفتنة الكبرى، لكن المؤسسات الدينية تعوق خروج العمل بسبب ظهور شخصيات الصحابة والتابعين وآل البيت !
الأزهر يعوق بتوسيعه دائرة الحظر مجهودات المبدعين، وبعد أن كنا نأمل فى أن يصبح دوره فاعلاً مساهماً؛ بأن يتبنى هو الى جانب مؤسسات الدولة الثقافية هؤلاء المبدعين ويساندهم ولا مانع أيضاً من تمويل نشاطاتهم بصورة قانونية وباشراف من الدولة، لكى يبهروا العالم بالأعمال الفنية التاريخية الأقرب الى الرؤية الاسلامية الراشدة شكلاً ومضموناً، صرنا نتمنى فقط ألا يكون الأزهر الشريف عائقاً من ضمن العوائق الكثيرة التى تحول دون خروج هذه الأعمال الى النور .
الشيخ أحمد الشرباصى - صاحب مقولة «على رجال الفن أن يتدينوا وعلى رجال الدين أن يتفننوا» - كتب مقالاً فى الأهرام عام 1958م يطالب فيه بضرورة احداث ثورة فى الأزهر، وهى الثورة التى انطلقت بدخول المرأة الأزهر الشريف كطالبة وكمدرسة ومحاضرة وعالمة وفقيهة، وكذلك دخول الأزهر الشريف ميدان الفن حيث قدم 70 فناناً أزهرياً عروضهم الفنية فى متحف الفن .
الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات هى أهم مراحل الاسهام الثقافى للأزهر، ومن ثمارها فيلم «ظهور الاسلام» المأخوذ عن قصة عميد الأدب الدكتور طه حسين «الوعد الحق» ، الذى تسابق الجميع من أجل الاسهام فى اظهاره فى أفضل صورة، ليس فقط من الفنانين ومنهم من قام بدوره دون أجر كالممثل الشهير عباس فارس، بل أيضاً من مؤسسات الدولة كوزارة الحربية وقتئذ التى قدمت مئات الجنود من سلاح الفرسان بخيولهم دون مقابل.
وحضر عرض الفيلم رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس باشا ووزير المعارف الدكتور طه حسين وعدد كبير من وزراء تلك الفترة، وكذلك فيلم «انتصار الاسلام» و «فجر الاسلام» و«الشيماء» و«بلال مؤذن الرسول»، الذى حرص أعضاء مجلس قيادة الثورة على مشاهدته وفى مقدمتهم جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسين الشافعى.
كان علماء الأزهر الكبار يراجعون هذه الأفلام تاريخياً ودينياً، وفى كواليس «انتصار الاسلام» حرص أبطال الفيلم وعلى رأسهم الفنانة ماجدة والفنان محسن سرحان على دعوة علماء الأزهر لحضور التصوير باستديو الأهرام .
وفى فيلم «فجر الاسلام» الذى كتبه الأديب عبد الحميد جودة السحار يحضر وفد من الأزهر الشريف نيابة عن الامام الأكبر شيخ الأزهر ويلتقون طاقم العمل بمواقع التصوير .
الشيخ أحمد الشرباصى الذى شارك فى كتابة سيناريو وحوار فيلم «خالد بن الوليد» مع الفنان حسين صدقى والمخرج حسين حلمى المهندس كان يبتكر مشاهد فى السيناريو مثل أى سيناريست محترف فى هذا المجال، حتى أنه فى نهاية العمل سجل السيناريو والحوار كله بصوته على شرائط التسجيل بأداء تمثيلى متميز حتى يستمع اليه الممثلون والمخرج ليكتشفوا نقاط الضعف والقوة فى السيناريو، وقد كان أداء الشيخ الشرباصى فى هذا الفيلم ينم عن تمكن واحترافية وتذوق فنى عال.
السحار الذى رأس مؤسسة السينما قبل الغائها فى أوائل السبعينيات عبر عن أمنياته فى تحويل تراثنا الاسلامى والمسيحى الى رؤى سينمائية ، وعن حزنه لخلو فيلمنا من هذه الموضوعات التى يمكن أن تثريه وأن تلعب دوراً حضارياً من الصعب ادراكه بالأدوات التقليدية.
أفلاطون قال «رواة القصص هم من يحكمون العالم»، فالثقافة والفنون هى الوجه الآخر للقوة، حتى يكاد يتوزع النفوذ الدولى والاقليمى اليوم بين من يخاطبون العالم حضارياً ويعالجون ملفات وقضايا الوجود والكون والتاريخ فنياً بين ايران والغرب والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل .
أتساءل.. لو سرنا بانفتاح الأزهر وثورته التجديدية فى الخمسينيات والستينيات ، وباهتمام الدولة ورجالها وبغيرة رموز الفن، فهل كان يسبقنا أحد فى هذا الميدان، وهل كنا لنتمنى لنا أمراً تمتلكه وتصنعه ايران الآن؟