حقق "صفر مريم" طالبة الثانوية العامة، شهرة أكثر من "صفر المونديال" الذى حققته مصر فى محاولة إستضافة كأس العالم لكرة القدم، إلا أن "صفر مريم" يعتبر صفرا محيرا وكاشفا فى ذات الوقت. وتأتى الحيرة أو اللامعقول من أن يحصل طالب أو طالبة فى الثانوية العامة على صفر! أليس هناك مادة واحدة إستطاع أن يحقق فيها درجة النجاح؟
كما تأتى الحيرة أيضا من إتهامها المسئولين بأنهم إستبدلوا أوراق إجاباتها بأوراق غيرها، فاذا إفترضنا صحة إتهاماتها، فهناك مئات الطرق لإنجاح الطالب الذى تم إستبدال الأوراق من أجله، دون أن يتم إستبداله أوراقهما، كان يمكن أن تغشيشه فى اللجنة، أو إستبدال أوراقه بإجابات نموذجية دون حاجة الى إستبدال أوراقه بأوراق أخرى، ومن الذى يستطيع أن يستبدل أوراق طالب معين بطالب آخر طوال فترة الإمتحانات؟.
وتأتى الحيرة الثالثة من "صفر مريم" أنها ليست الوحيدة التى حققت "درجة الصفر"، ولكنها كانت الوحيدة التى تناولتها وسائل الإعلام وإهتمت بها الدولة، رغم وجود حالات مماثلة.
كما إستغل البعض الحادثة لتصفية حساباته مع وزراة التربية والتعليم، أو مع الوزير شخصيا، وإتهمه البعض بالأخونة، تلك التهمة الممجوجة التى أصبحت توجه لمن نختلف معه دون أى دليل.
كما أتت مقابلة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء لمريم مقابلة خاطئة فى معناها وتوقيتها, فمن حيث المعنى، فمريم إن كانت صاحبة حق فيجب أن تسترده، وإن لم تكن صاحبة حق فيجب ألا تأخذ ما ليس لها، دون مقابلة رئيس الوزراء لها. ومن حيث التوقيت فكان من الممكن أن تتم المقابلة فى بداية المشكلة مطمئننا إياها أنه لم يهنأ بنوم حتى يأتى لها بحقها (وهو ما قاله)، أما أن يقول هذا بعد أن حكمت المحكمة ضدها فهذا يعنى أن حكم المحكمة خطأ، وانه سيأتى لها بحق ليس لها, رغم الحكم.
وهو صفر كاشف لعقلية المجتمع أيضا: فمن يقف مع مريم أو يتعاطف معها، لم يضع فى إعتباره أى إحتمالات لكونها مخطئة فى إتهاماتها، ومن وقف ضدها لم يضع أى إحتمالات لخطأ وزارة التربية والتعليم، وظل كل فريق على موقفه حتى بعد أن حفظت النيابة القضية وبعد أن قرر الطب الشرعى أن الأوراق المنسوبة لمريم هى أوراقها وأن الخط خطها. وهذا إن دل فإنما يدل على ضيق فى الأفق وقصر نظر وتطرف فى الرؤية لدى الطرفين فى التأييد أو المعارضة، فهما يتعاملان من منظور ضيق يقول من ليس معى فهو ضدى!
الحقيقة الهامة التى يثيرها "صفر مريم" سواء كانت مظلومة أو ظالمة، أن نظام التعليم فى مصر يحتاج أن ينسف وأن يبنى من جديد على أسس علمية مستفيدين من تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المجال، إذا كنا نريد لهذا البلد أن ينهض من كبوته, فلا تقدم إقتصادى وسياسى وإجتماعى من غير تعليم ... ولكن تعليم حقيقى.