كمال زاخر
برلمان الثورة ومهامه الثقيلة (2 - 2)
هل يمكن الحديث عن البرلمان المقبل، والمنتسب زمانياً للثورة، بغير الانتباه إلى المتغيرات التى اقتحمتنا تقنياً ومعرفياً، بينما الحراك المجتمعى والسياسى الداخلى متباطئ ولم يستوعب بعد هذه المتغيرات، وهو ما بدا على ما نشهده من إدارة مراحل الوصول إلى عضوية البرلمان، فما زالت الأدوات القديمة هى المسيطرة، وهو ما سوف ينعكس بالضرورة على شكل البرلمان وتوزيع الأثقال السياسية فيه، ومن ثم مدى قدرته على أداء مهامه (الثقيلة) وفى مقدمتها التشريع والرقابة على أداء الحكومة، والتخلص من مزاحمة الأداء الخدمى الذى يحاصر النائب فيما يشبه العقد الاجتماعى بينه وبين الناخب، وهو بالأساس مهمة المجالس المحلية، فى القرية والمدينة والمحافظة.
هل يمكن أن يستمر نسق الأداء التقليدى مع تشعب المهام والقضايا المحمل بها البرلمان، فى عصر المعلومات والمعرفة؟، ليصبح السؤال عن مدى إمكانية توفير سكرتارية متخصصة لكل عضو (596 عضواً) وهو أمر يتجاوز قدرات الأعضاء والمجلس، ويمكن أن يستعاض عنه بمكاتب سكرتارية معلومات بالأمانة العامة للمجلس، خاصة بعد إلغاء مجلس الشورى وضم موظفيه إلى قوة مجلس النواب، ولهم خبراتهم وقدراتهم المهنية فى هذا الإطار، توفر للأعضاء ما يحتاجونه من معلومات وبيانات بما يرفع مستوى الأداء؟
وماذا عن اللائحة الداخلية للمجلس والتى تحكم العلاقات والأداء داخله وتحدد صلاحيات رئيس المجلس والأعضاء، بعد أن صارت اللائحة القديمة لا تتفق ومهام المجلس الجديد وفقاً لما نصت عليه المواد الدستورية ذات الصلة التى تضمنها دستور 2014، والتى جاءت بأمور لم تكن واردة فى الدساتير السابقة، ومنها (مادة 109) والتى تقرر التفرغ الكامل لعضوية المجلس، و(مادة 107) التى أسندت الفصل فى صحة العضوية إلى محكمة النقض وحدها، و(مادة 109) فى ضبط منع تضارب المصالح مع عضوية المجلس، و(مادة 113) بشأن ترشيد الحصانة البرلمانية الإجرائية، و(مادة 117) التى قررت انتخاب رئيس المجلس ووكيليه لمدة الفصل التشريعى كاملة بدلاً من دور الانعقاد فحسب، و(مادة 146) التى استحدثت سلطة المجلس فى الموافقة على تشكيل الحكومة، بل وإعفائها كلياً أو جزئياً بنص المادة (147)، وغيرها الكثير من النصوص الدستورية، لذلك صار من المحتم وضع لائحة داخلية جديدة تواكب التوسع الكبير فى صلاحيات واختصاصات رئيس المجلس وسلطاته التقديرية، وإعادة رسم تشكيل مكتب المجلس بما يسمح بمشاركة فاعلة وضابطة لرؤساء اللجان مع رئيس المجلس والوكيلين، إضافة إلى الحاجة إلى وضع ضوابط تضمن حيادية المنصة فى إدارة الجلسات، والفصل بين موقعى رئيس اللجنة النوعية ومقررها، ووضع ضوابط لصحة استمرار الجلسات وعدم مغادرة الأعضاء لها إلا بعد انتهائها، وغيرها من الضوابط التى تفعّل عمل وأداء البرلمان والأعضاء.
ولعل اللائحة الجديدة تنتبه إلى مراجعة التعامل مع الاستجوابات، لتفعيلها، التى تمثل أهم أدوات البرلمان فى مراقبة وضبط أداء الحكومة والتى كانت تنتهى فى المجالس السابقة إلى شكر الحكومة والعودة إلى جدول الأعمال وكأنها لم تكن. ونحن أمام برلمان لا يوجد فيه حزب حاكم مما يدعم وضع لائحة نموذجية لحساب البرلمان ليصبح بحسب توصيف دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام برلماناً مؤسسياً غير شخصى، وديمقراطياً غير مستبد، ومستقلاً غير تابع، فاعلاً غير خامل، وقوياً غير رخو، ومنفتحاً غير منغلق، ومتطوراً غير متخلف، وحاضراً غير غائب، وجامعاً غير طارد، وشفافاً غير غامض، وقريباً غير بعيد.
لذلك نص الدستور فى المادة (118) على: يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه، وكيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام داخله، وتصدر بقانون.
ويبقى السؤال: وماذا عن جلسة الإجراءات؟، قد يحتاج الأمر إلى قرار بقانون يصدر عن الرئيس بنص انتقالى ينظمها.