الوطن
د. محمود خليل
«النور» والعقل المقهور (2)
يعتبر حزب النور نفسه وريثاً شرعياً للإخوان، فى حين تنظر إليه السلطة كمحلل للتيارات الإسلامية، يمكن استخدامه بعض الوقت، ثم الإلقاء به فى عرض الطريق بعد ذلك. من جديد قد يبدو هذا الكلام صادماً، لكن الواقع وملابساته ومعطياته تساند وجهة النظر تلك، سواء على مستوى علاقة الحزب بجماعة الإخوان أو على مستوى علاقته بالسلطة.. ودعنى أقول لك كيف؟

العلاقة بين السلفيين -وعلى رأسهم حزب (النور)- وجماعة الإخوان علاقة شراكة، يمكن وصفها بـ«شراكة الدقن». تشارك الطرفان بعد ثورة يناير فى أمور عديدة، ولكن ليس على سبيل القسمة العادلة، إذا لم يتساو السلفيون والإخوان فى حجم المكاسب التى حصدوها بعد الثورة، إذ فازت الجماعة بنصيب الأسد، وكان هذا الأمر مصدر غضب لدى قطاع لا بأس به من الأطياف السلفية، الأمر الذى سهّل عليهم المشاركة فى 30 يونيو من أجل الإطاحة بالجماعة، ووجدت فيهم السلطة الصاعدة آنذاك «دقناً» مقبولة، يمكن أن تشكل بديلاً مؤقتاً لـ«الدقن الإخوانية». وليس فى الإمكان وضع السلفيين كلهم فى سلة واحدة عند الحديث عن موقفهم من الإخوان، لأن من بينهم من شارك فى اعتصام رابعة، لكن المسيسين منهم، وعلى رأسهم حزب النور، كان مستريحاً للخطوات التى تم اتخاذها فى 3/7/2013، وبدأوا يرتبون أوضاعهم كورثة لعرش الإخوان، بل وتحولوا إلى أداة لتفكيك خطاب الإخوان بعد 30/6 من داخل البيت الكبير: «بيت الدقن»، والهجمات المتبادلة بين الطرفين خلال العامين الماضيين أكثر من أن تُعد أو أن تُحصى.

وعلى مستوى العلاقة بالسلطة، يظهر السلفيون كـ«فوطة»، يمكن استخدامها بعض الوقت ليتم الإلقاء بها جانباً بعد ذلك، ومنطق التاريخ يقول إن أى قوة تعيد إنتاج تجربة قوة سياسية أخرى تنتهى إلى نفس النتيجة التى انتهت إليها. ومحاولة السلفيين تكرار تجربة الإخوان تعنى تشابه النهايات. فالتجربة السياسية المصرية خلال العقود البعيدة والقريبة تقول إن أغلب الأنظمة السياسية التى حكمت مصر لم تر فى الإخوان أكثر من «فوطة» يمكن استخدامها بعض الوقت، ليتخلص منها مستعملها بعد ذلك، ينطبق هذا الأمر على علاقة الإخوان بالسلطة منذ عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى السنوات التى تلت ثورة يناير 2011. فقد استخدمهم «ناصر» كظهير شعبى مساند مثّل عاملاً من عوامل نجاح ثورة يوليو 1952، وبعد أن استطاع الرجل تشكيل ظهيره الشعبى بطريقته الخاصة، من خلال قانون الإصلاح الزراعى، ثم قوانين يوليو الاشتراكية، تخلص منهم فى أقرب فرصة، وهو أيضاً ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أخرجهم من السجون ليستخدمهم كأداة لضرب الناصريين واليساريين، وكرر «مبارك» نفس التجربة معهم، بل والمجلس العسكرى الحاكم بعد ثورة يناير، فعل الأمر نفسه، حين استخدمهم كأداة لتفريغ وإحباط الشارع الثورى، وكان هذا الشارع -للإنصاف- من التغفيل بدرجة يسّرت للجماعة الضحك عليه. ومع كامل تقديرى لفشل الإخوان فى تجربة الحكم، ولخطورة توجهها نحو العنف، فإن ذلك لا ينفى أن السلطة نظرت إليها كـ«فوطة» ليس أكثر، ويخيّل إلىّ أن تلك هى النظرة نفسها التى تدّخرها لـ«حزب النور»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف