الوفد
علاء عريبى
«محلب» وصناعة الفساد
قبل فترة كتبت عن صناعة الفساد فى مصر، وقلت إنه فى الأصل صناعة حكومية، صنعه الوزراء والمسئولون، وكانت مناسبة كتابة هذه المقالات قرارا لوزيرة التأمينات الحالية بصرف 3 آلاف جنيه بدل جلسة لإحدى اللجان، واليوم نفصل الكتابة فى صناعة الفساد فى الحكومة وانتقاله إلى المواطنين بسبب أيضا قرار لوزيرة التأمينات الحالية بصرف 7 آلاف جنيه كبدل حضور جلسة واحدة للبدرى فرغلى.
المهندس محلب رئيس الحكومة يصرح كثيرا بمحاربة الفساد، ويؤكد دائما أن الحكومة لن تتستر على فاسد، وقد يكون محلب صادقا، لأنه يتحدث عن الفساد المباشر، أو الفساد الذى يجرمه القانون، وهو الرشوة، الاختلاس، وغيرهما من جرائم المسئولين والموظفين وما يترتب عليها من تزوير أو إخفاء وحرق مستندات.. أما الفساد غير المباشر أو الفساد بقرار أو بقانون فمحلب لا يستوعبه بعد، وقد يكون ملما به، لكنه للأسف لم يلتفت إليه ولم يفكر فى محاربته.
وأغلب الظن أن الفساد بقانون أو بقرار، أو الفساد الذي لا يجرمه القانون، هو أخطر أنواع الفساد، ويمكن أن ترجع إليه مسئولية ظهور وانتشار الفساد المباشر، وهو كما وصفته سابقا صناعة حكومية، أو أنه فى أبسط تعريف له: هو الفساد الذي ينتجه الوزير أو المسئول بقرار، ويتمثل فى المبالغ التى تصرف كبدل حضور وانتقال وبدل عضوية، ومكافأة للمستشارين وغيرها من المسميات.
القانون منح الوزير والمسئول تشكيل لجان وتعيين مستشارين، ومنحه كذلك حرية صرف مكافأة مناسبة، وللأسف هذه اللجان والمجالس، والمستشارون، وغيرها هى أصل من أصول الفساد، ففيها يفسد الطرفان، الوزير أو المسئول والعضو أو المستشار.
فى أغلب الوزارات والشركات والبنوك والهيئات ما يسمى بمجلس الإدارة أو اللجان النوعية أو مكتب الفنى للسادة المستشارين، أغلب الوزراء أو بعضهم يضم ويعين لهذه المسميات بعض الأصدقاء أو الخصوم، ويصرف لهم مكافأة كبيرة كبدل حضور تعادل ضعف راتبه أو راتبه فى الجهة التى يعمل بها، وقد تعقد اللجان أكثر من جلسة فى الشهر، ويصرف لكل عضو بدل حضور وبدل مواصلات، فى بعض الهيئات والوزارات تتراوح مكافأة حضور الجلسة بين 5 و7 آلاف جنيه، يصرفها العضو لحضوره اجتماعا لمدة نصف ساعة أو ساعة، إضافة إلى ألف جنيه أو ألفين كبدل انتقال.
بعض الوزراء كما سبق وذكرت يضمون للجان والمجالس العديد من الشخصيات التى قد تساعدهم بعد خروجهم من الوزارة، وبعض من يخدمون عليهم وعلى قراراتهم، وبنظرة سريعة لأسماء بعض اللجان والمجلس تكتشف أنها تضم إعلاميين وزملاء جامعة او زملاء عمل سابق أو بعض من ينتقدون الوزير أو الوزيرة أو المسئول، بالطبع أغلب من يصرفون المكافآت سوف يحرصون على انتظامها، فلا يعترض أو ينتقد لقرارات الوزير أو الوزيرة أو المسئول، وربما قد يبارك ويشيد.
هذه المبالغ تصرف من أموال الشعب الكادح، والوزير أو المسئول يصرفها بدون ضابط أو مراجعة، فالقانون لا يحرم تقديم رشوة بقانون، طالما القرار لا يخالف اللوائح والقوانين فكل شيء مباح حتى إهدار المال العام.
البدرى فرغلى رفض تلقى رشوة من وزيرة التأمينات، حضر إحدى الجلسات وأمرت له بمكافأة 7 آلاف جنيه بدل حضور جلسة واحدة، البدرى اكتشف أن المبلغ يعادل 7 أضعاف المعاش الذى يتقاضاه، ويعادل معاش 15 أسرة ممن يصرفون معاشا أقل من ألف جنيه شهريا، فكر فى ثوان: لماذا يصرفون لى كل هذا المبلغ فى نصف ساعة، وغيرى يعمل طوال الشهر ولا يتقاضى نصفه أو ربعه، أظنه حراما، نعم هو بالفعل حرام وخيانة للوطن وللكادحين الذين شقت حناجرهم من اجل رفع رواتبهم مائة و500 جنيه.
هذا الفساد، أو الفساد بقانون، من الذى يردعه أو يحده أو يعاقب المسئول عليه، هذه الأموال لو كانت الوزيرة تصرفها من تركة والدها ستفكر ألف مرة فى التوقيع بصرفها، ونظن أنها لن تصرفها، لكن هذه أموال الشعب، والجسم اللى مش جسمك جره على الشوك، وفى الآخر محلب بيقول هنحارب الفساد، مثله مثل الغلابة الذين خرجوا بعد هزيمة 1967 يصرخون فى الشوارع بهتافات جوفاء: هنحارب، هنحارب.. طيب يا عم محلب ورينا بقى هتحارب إزاى؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف