عبد القادر شهيب
شيء من الأمل .. أصنام الصحافة والإعلام
وذات الخطأ وقع فيه الاعلام والصحافة حينما سلطا الضوء علي شخصيات أخري باعتبار أصحابها محاربين أشداء ضد الفساد بينما هم غارقون في بحر الفساد حتي الاذنين
نشر الأخبار غير الصحيحة والمعلومات المغلوطة وترويج الأكاذيب والشائعات ليست أكبر خطيئة يرتكبها إعلامنا وصحافتنا منذ فترة ليست بالقصيرة.. الخطيئة الأكبر أنه يصنع أصناما ليعبدها الناس!.. أقول ذلك من وحي أحدث قضية رشوة تم ضبطها والمتهم فيها حمدي الفخراني المعروف إعلاميا وصحافيا بأنه أحد رموز محاربة الفساد والدفاع عن حقوق المظلومين والمال العام.. أنا هنا لا أتحدث عن تلك القضية تحديدا لانني من الذين يؤمنون بصدق أن كل متهم برئ حتي تثبت إدانته بانتهاء كل مراحل التقاضي وأنه يتعين علي الصحافة والإعلام أن تراعي ذلك وهي تتناول أي قضية فساد أو غير ذلك.. لكنني أتحدث هنا فقط بمناسبة هذه القضية عن أكبر أخطاء إعلامنا وصحافتنا حينما لا يصدقان الرأي العام القول بتحويل جهلاء إلي خبراء وتحويل بشر عاديين غير محصنين ضد إرتكاب الخطايا إلي قديسين.. أنا هنا أتحدث عن قضية الإعلام والصحافة وليس عن قضية حمدي الفخراني.
لقد قدم لنا الاعلام والصحافة مجموعة من الشخصيات خاصة علي مدار السنوات القليلة الماضية بوصفهم خبراء في كل شيء.. السياسة والاستراتيجية والأمن والاقتصاد وحتي الرياضة والفن.. وفرض الاعلام والصحافة علينا هؤلاء «الخبراء» فرضا، حينما لجأ إعلاميون وصحفيون إليهم بشكل دائم ومستمر ودوري، يسألونهم الرأي مع كل حدث أو قرار جديد، ويعتبرون كلامهم هو القول الفصل في كل قضية أو أمر، رغم أن خبرة هؤلاء لا تزيد إن لم تقل عن خبرات عموم المشاهدين والمستمعين والقراء، ورغم أن اقتراحاتهم في الأغلب الأعم «مضروبة»!
وقدم لنا إعلامنا وصحافتنا شخصيات بوصفهم مناضلين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحويل مصر إلي دولة عصرية حديثة، بينما هم مجموعة من اللاهثين وراء التمويل الاجنبي السري والذين يستبيحون القيام بأي شيء من أجل استمرار حصولهم علي هذا التمويل، حتي لو كان هذا الشيء هو المساهمة في تقويض كيان دولتنا الوطنية أو دعم الجماعات المتطرفة التي تمارس العنف وتوفير الحماية للارهابيين الذين لا يتوقفون حتي الآن عن القتل والحرق والتدمير والتخريب في بلدنا!
كذلك قدم لنا إعلامنا وصحافتنا شخصيات اما تنتمي لجماعة الاخوان أو تعزف علي ألحان الأمريكان وتعمل كوكلاء لهم في بلدنا، بوصفهم ثوارا لا يشق لهم غبار، وأطهار وملائكة، يتعين الا نرفض لهم كلمة أو رأيا، وأن نقدم لهم التكريم اللازم، وأن نفسح لهم الطريق ليتولوا قيادتنا وتدبير أمورنا وإدارة شئون بلادنا بل والتحكم فينا أيضا.
وذات الخطأ وقع فيه الاعلام والصحافة حينما سلطا الضوء علي شخصيات أخري باعتبار أصحابها محاربين أشداء ضد الفساد بينما هم غارقون في بحر الفساد حتي الاذنين ويتخفون فقط وراء شعار مكافحة الفساد، أو شخصيات تقوم بدور مدفوع الاجر بالحديث عن الفساد وضرورة محاربته، وذلك لحساب من يمارسون ابتزازا بهدف حماية مصالحهم أو زيادة أرباح أعمالهم من خلال إرهاب القدم أو إخافة السلطات الحكومية.. أو شخصيات يعتبر أصحابها مواجهة الفساد تجارة - مثل أي تجارة أخري - يتكسبون و يتربحون فيها لانهم يرون أن «عشرة أعشار الربح في التجارة».. وأي مقارنة بين ما كان عليه حالهم قبل سنوات قليلة مضت وما أحرزوه من ثروات وراكموه من ممتلكات الآن سوف تكشفهم وتفضحهم بسهولة ويسر!
وبديهي بالطبع أن ذلك الذي ذكرناه من أمثلة فجة وصارخة وكاشفة أيضا إلي ما آل إليه حال اعلامنا وصحافتنا، لا ينطبق علي كل الشخصيات التي يحتفي بها الاعلاميون والصحفيون.. فهناك شخصيات شديدة الاحترام تستحق بالفعل تقدير الصحافة والاعلام بل وكل الرأي العام.. غير أن هذا لا يبرر أن تمارس الصحافة والاعلام تلك الخطيئةالكبيرة في حق الرأي العام.. خطيئة صناعة أصنام تطالبنا بأن نعبدها لما تحيطها الصحافة والاعلام من قداسة لا تستحقها.. وحان الوقت أن يقلع إعلامنا وصحافتنا عن ممارسة تلك الخطيئة .. غير أن ذلك لن يتحقق إلا بالعودة إلي الالتزام بالمعايير المهنية الحقة التي يتحدث عنها البعض منا ولا يعمل بها.. اتقان المهنة هو العاصم من كل خطأ أو خطيئة في الإعلام والصحافة.