أمينة خيرى
«البلد واقفة محلك سر» يا ريس.. يا حكومة.. يا شعب
تأفّف كثيراً وتململ طويلاً. نظر إلى ساعته وقال بقرف. «آدينا واقفين محلك سر. مافيش أى تغيير فى البلد. وكله على قديمه». ردت بتأفُّف أكبر وتململ أعمق: «علينا أن ننتظر 2050 بدلاً من 2020». ضحكا ملء أشداقهما ومضى كل منهما إلى حال سبيله. هو يعمل ساعتين بدلاً من ثمانى ساعات، حيث ساعات العمل الست الباقية مخصصة لأعمال خاصة على سبيل تنمية الدخل. أما هى فتمضى ساعات العمل الثمانى فى مقر العمل، لكن الناتج العام الإجمالى يساوى واحداً من عشرة. حجتها الإحباط الناجم عن تدنى الراتب وانعدام الحافز. ومبرره ضيق ذات اليد وكثرة طلبات البيت. أيامهما تكرر نفسها. قليل من العمل، كثير من الشكوى، تحميل على الظروف، تحجج بالأحوال، ولوم كامل على «الحكومة» أو «الرئيس». هو وهى ليسا استثناءً بل القاعدة. القاعدة العريضة متململة. والغالبية العظمى متأزمة. والواقع يشير إلى أن المصرى بالفعل له الجنة. وهذا تعبير مجازى وليس على سبيل «التدين الفطرى» الذى يعصف بالمجتمع ويجتاح البلاد والعباد، فيحلل التحرش ويبرر الرشوة ويتغاضى عن انعدام الضمير. فالمصرى بمستوياته المختلفة يعيش حياة يومية بالغة القسوة. فجميعنا مثلاً يعانى الأمرين من القمامة فى الشوارع. فإن لم يكن جبلاً متلتلاً هنا، فتل متجبل هناك. وإن لم يكن ذلك، فهو ناجم عن أكياس وعبوات يلقيها الجميع على مدار الساعة. ملقو القمامة هم أنفسهم من يشكون من شكل القمامة القبيح، وأثرها الصحى. والقمامة التى أهدر فيها نظام الرئيس الأسبق «مبارك» الملايين، حيث مشروعات من الغرب والشرق، ووضعها الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسى ضمن برنامج المائة يوم الأولى فى إطار طائر النهضة العملاق ذى الجناحين والمؤخرة، لا تتتعتع ولا تتزحزح. وعقدت على شرفها عشرات الاجتماعات ونُظِمت من أجلها مئات الزيارات لمسئولين يجزمون أن الحل بات نهائياً أو أن الخلاص أصبح حيوياً فى عهد الرئيس السيسى. لكننا على الدرب سائرون وعلى العهد محافظون. سنظل نلقى بالقمامة أينما شئنا وقتما شئنا ثم نشكو القبح وننتقد الإهمال ونصب جام غضبنا على الإفساد. نبكى وننتحب على أخلاقنا التى ذهبت، وأولادنا الذين خرجوا إلى الحياة فى ظل غيبوبة أخلاقية عميقة. ورغم ذلك، فإن الجانب الأكبر من منتجى السينما يفضلون أفلام المطاوى والسكاكين، وألفاظ التهديد والوعيد، والسب بالأم والأخت. وجزء غير قليل من «نخبتنا» يميل إلى نقد المعارضين والرد على المنتقدين بالشتم والوصف بأقبح الألفاظ وأردأ الصفات نهاراً جهاراً على الشاشات والأثير، لتكون القدوة قدوة الندامة. حتى دموع الندم لا تسمن أو تغنى من جوع وقت سقوط قتلى الطرق ومصابيها، وما أدراكم ما نزيف الأسفلت. نبكى وننتحب يومياً على أسرة لقيت مصرعها، وشباب راحوا بسبب ميكروباص طائر أو «سوزوكى» جائر، وأطفال فقدوا عائلهم بسبب سائق باص أهوج أو تاكسى أبيض، والقائمة طويلة جداً جداً. ثم ماذا نجد؟ نجد سائقى السيارات أنفسهم الذين كانوا ينتحبون لفقدان عزيز أو موت قريب فى حادث سير بالأمس القريب يقودون سياراتهم بجنون، ويضربون بقوانين السير عرض الحائط. وفى الوقت نفسه نجد أمين الشرطة (المطالِب بمميزات الضابط ورتبه ومستشفياته العلاجية وامتيازاته الوظائفية) يستوقف سيارة لأن الفانوس مشروخ، بينما عشرات التكاتك المارقة تجرى من حوله عكس الاتجاه وفوقه وتحته، ناهيك عن الكارو وسيارة البك الضابط الواقفة فى الممنوع أصلاً بزجاجها الأسود وأرقامها المنزوعة. ونعود ونتململ ونتأفف وننظر إلى الساعة ونتساءل بقرف وسأم: «آدينا واقفين محلك سر. مافيش أى تغيير فى البلد»، وأضيف من عندى «يا ريس» «يا حكومة» «يا شعب»!