حازم هاشم
حكاية من تراث أصحاب الحيل
على عهد الصبا كنت وأقرانى من هواة الكتابة نسمع عن كاتب أديب متنوع القدرات اشتهر بأنه كان «لا يعدم فريسة»! والمعنى أنه كان كلما احتاج إلى المال استطاع الحصول عليه متى أسعفه خياله بمصدر من مصادر المال!، وكنت وغيرى من الهواة نسعى إلى التعرف عليه والاقتراب منه والظفر بزيارته فى بيته الذى كان واقعًا فى وسط العاصمة بعمارة قديمة تاريخية، ولكنها ـ أى شقته الواسعة الأرجاء ـ كأنها «مضيفة ودوار» من الصباح إلى صباح اليوم التالى، جاهزة لاستقبال الزوار متى أرادوا الزيارة، حتى أنه كان يغادر المنزل لبعض شئونه تاركًا ضيوفه فى زيارتهم له التى غالبًا ما تطول وتتمدد!، حتى إذا عاد لينام بعض الوقت فلا ضرورة لأن يحسوا بعودته!، ولابد لى أن أختصر فى عرض محاولاتى وأقرانى لعقد صداقة معه حتى تم لنا ذلك، فأصبحنا زوارا دائمين له ضمن صعلكتنا فى وسط العاصمة، لنأوى إلى بيت الرجل لقضاء قيلولتنا عنده، ولا مانع من أن نصطحب معنا بعض الطعام فيأكل معنا إذا أراد، أو نجد البيت عامرًا بأطعمة شهية فى ثلاجته، ولا مانع من تطوعه بإقراضنا بعض الأموال إلى حين ميسرة لا تأتى، لكننا نعرف من عرضه اقراضنا أنه فى بحبوحة بعد وقوعه على أموال لا نعرف من أين أتى بها!، لعلها من جهة مدينة له بمستحقات عن بعض كتاباته!، أو هو قبض مبلغًا محترمًا مقابل وعد بتقديم واحد من تآليفه دون أن يحدد موعدًا واضحًا لإنجازه!، ولم يكن كرمه معنا مقصورًا على إقراضه لنا، بل هو يترك لنا اختيار بعض الكتب من مكتبته فيتركها لنا لقراءتها ثم إعادتها له، والويل إذا لم نعد الكتب إليه!، فقد كانت ذاكرته حديدية فى تذكر ما أخذناه من الكتب!. فكان يلوم من يماطله فى إعادة الكتب التى استعارها لومًا قاسيًا لكنه يدخل فى باب طرائفه إذ كان من ظرفاء عصره.
وفى ساعة صفاء جمعتنا فى منزله مع بعض أصدقائه الذين ينتمون إلى جيله، حكى بتوأدة وروية كيف أنه قد استطاع ـ كما اعتاد ـ أن يحصل مالاً احتاج إليه ولم يكن أمامه غير أن يضحك «على الحكومة» كما قال، فكان أن ذهب إلى وزير التموين وقتذاك وعرض عليه أن يقدم له مادة فيلمية تستعرض سينمائيًا تاريخ التموين فى مصر من عهد الفراعنة حتى العصر الحديث!، وانبهر الوزير بالفكرة فلم يتردد فى إجابة «صاحبنا» لما طلبه من المال للتحضير للفيلم المنتظر!، فلم يغادر «صاحبنا» مكتب الوزير إلا عندما أصبح الشيك فى جيبه!، وبعد أن قبض قيمة الشيك اعتبر أن الموضوع انتهى عند هذا الحد!، فلما ألح الوزير بعد ذلك فى طلب قصة الفيلم مكتوبة، وبدأ يضيق الخناق على «صاحبنا»، إذا بهذا يذهب إلى مسئول أمنى وقتها كان اسمه فقط يكفى لإرعاب الوزير، وراح يشكو له كيف أن هذا الوزير قد عرض عليه فكرة خرافية مجنونة لإنتاج فيلم تنتجه الوزارة عن حالة التموين من مصر القديمة حتى العصر الحديث!؛ فلما سمع المسئول الأمنى الحكاية حتى نهايتها سمح لصاحبنا بالانصراف، على وعد منه له بأن يخلصه من إلحاح الوزير!، الذى استدعاه المسئول الأمنى بعد ذلك ولوح له بأن القيادة السياسية لو علمت بهذا الأمر فسوف يكون لها شأن آخر معه!؛ وكان هذا كافيًا لكى يفزع الوزير راجيًا من المسئول الأمنى تكتم الموضوع!، وقد وعد فى هذا اللقاء بأنه سيتجنب إجراء أى اتصال بصاحبنا لا الآن ولا مستقبلا!، ولم يأت الوزير بأى سيرة لما صرفه لصاحبنا من المال!؛ فقد قنع بأن يتستر المسئول الأمنى على الموضوع رفقًا به!؛ فلما فرغ صاحبنا من حكايته هذه، كان الأصدقاء يضحكون عاليا من سعة حيلته ودهائه!، فى حين أننى الوحيد الذى لم يضحك من فرط سذاجته!