د. محمود خليل
«هلال».. وحروب الجيل السادس
بمنتهى الجرأة خرج وزير الزراعة «صلاح هلال» قبل يوم واحد من القبض عليه قائلاً: «مفيش هزار»، فى مدار حديثه عن تعامل الحكومة مع «الفساد»، لم يمر على هذا التصريح ساعات حتى تأكد بنفسه أن الأمر فعلاً «مش هزار»، ليتم القبض عليه بمعرفة ضباط من الرقابة الإدارية بـ«التحرير»، ذلك الميدان الذى شهد الثورة المصرية فى يناير 2011، وشاء الله أن يكون نقطة انطلاق الرئيس نحو مواجهة الفساد الذى وصل إلى نخاع تفكير البعض، وإلا بماذا نفسر أن يكون الحج وإفطار رمضان بين مفردات قائمة طويلة من الرشاوى التى حصل عليها «هلال»، مع مجموعة من المسئولين بوزارة الزراعة، ومجموعة من السماسرة الإعلاميين؟! أرجو ألا تتعجب من وصف «الإعلاميين السماسرة»، فربما يأتى يوم أحدثك فيه عنهم.
حالف التوفيق الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا القرار من أكثر من زاوية، أولاها أن يتم القبض على وزير الزراعة فى ميدان التحرير الذى ثار فيه المصريون ضد دولة الفساد، فهو أمر شديد الدلالة، ويحمل رسالة يمكن وصفها بالقدرية إلى الكثيرين، قد يكون من المفيد أن يستوعبوها ويفهموا مغزاها، وثانيتها أن الرئاسة تحركت بسلاسة وحنكة ضد واحد من الوزراء الذين اختارهم المهندس إبراهيم محلب، فى رسالة واضحة تقول إنها لن تتساهل فى معاقبة الفاسدين حتى ولو كانوا يجلسون على مقاعد الوزراء، وإنها تستوعب أن خريطة الفساد فى مصر تأخذ شكل المثلث الذى يشكل بعض المسئولين فاسدى الذمة أحد أضلاعه، وبعض الإعلاميين السماسرة الضلع الثانى، وبعض رجال الأعمال الضلع الثالث. المسألة واضحة، والتحرك ضد أضلاع المثلث بدأ. الزاوية الثالثة تتعلق بوعى الرئاسة بالمعادلة الزمنية الجديدة التى أفرزتها ثورة يناير والتى تذهب إلى أن «الطرمخة جزء من التاريخ»، فلا سبيل اليوم للتغطية أو للتفويت كما كان يحدث خلال العقود السابقة، عندما كان المسئول الأكبر يعلم أن فلان أو علان من رجال دولته فاسد، فيكتفى باستبعاده من منصبه، وأحياناً ما كان لا يفعل ذلك، ويتركه ينفد بـ«النهيبة»، كأن هذا البلد عزبة ورثوها عن «اللى خلفوهم»، لأن المسئول الكبير يتعامل مع الصغار بنفس المنطق الذى يدير به!
لقد استمعت إلى الرئيس وهو يتحدث عن حرب المعلومات والحرب النفسية التى تهيئ أى شعب لتدمير نفسه بنفسه، أو بالتعبير القرآنى الفريد: «يخربون بيوتهم بأيديهم»، وهو ما اصطُلح على تسميته بحروب الجيل الرابع، وقد أردت أن أصف الحرب على الفساد بـ«حروب الجيل الخامس»، لولا أن أحد «المضحكاتية» ممن يستضيفهم سيرك الإعلام سبقنى وتحدّث عن حروب الجيل الخامس التى ستتمكن أمريكا من خلالها من محاربة أعدائها بتسليط الزلازل والبراكين عليهم! دعونا نستخدم مصطلح «حروب الجيل السادس» فى وصف «الحرب على الفساد»، فإذا كانت الحرب النفسية تخرب البلدان وتدمر الأوطان «قيراط»، فإن «الفساد» يخربها «24 قيراط»، بل «24 فدان»! فى هذا السياق يمكن أن يُقرأ هذا التحرك الإيجابى من جانب الرئاسة يوم الاثنين الماضى، ويقينى أن ما حدث لا يعنى أكثر من أنها «بدأت تندّع»، وأن ثمة ضرورة لأن يكون المقبل حرباً كاملة وشاملة على الفساد.