عبد الرحمن فهمى
المآذن.. والنخيل.. الدين والدنيا
في الأربعينيات.. تم إحصاء عدد المآذن في القاهرة فاتضح أنها ألف مأذنة وكسور!!! فأطلقوا علي القاهرة يومها لقب "مدينة الألف مئذنة".. تري بعد ثلاثة أرباع قرن "75 عاما" ما هو عدد المآذن الآن بعد هذا التوسع الشاسع في القاهرة بالذات.. وحولها "مدن" الآن ولا تقل لي مجرد أحياء!!!
- ما سبب هذا الكلام الآن؟؟!!
...
سأروي لكم حكاية قديمة..
في استاد القاهرة.. المباراة النهائية في كأس الأمم الأفريقية.. ضربات الترجيح أو قل ضربات الحظ يتبادلها الفريقان.. مال جاري - دون أن أعرفه - مال علي أذني وقال لي: لا تتوتر ولا ترتجف.. سنفوز يعني سنفوز.. لم ألتفت إليه طبعا في هذا الوقت الحاسم.. وبعد أن فزنا فعلا سألته: لماذا كنت موقنا بالفوز.. أشار إلي المدرجات التي تحتلها جماهير لا يقل عددها عن تسعين ألف وقال لي:
- أليس من بين تسعين ألف متفرج رجل واحد صالح.. رجل صالح تنفتح له السماء؟؟.. هل هذا معقول؟!
طوال الموسم لم يخسر الأهلي مباراة واحدة تحت قيادة هيديكوتي.. بل لم يدخل مرمي إكرامي سوي هدف واحد نتيجة دلعه في مباراة مع دمياط!!!.. وأيضا في نهائي كأس مصر مع نادي الاتحاد السكندري والمباراة في القاهرة زحف جمهور الاتحاد في خمسة أتوبيسات.. وعندما وصلوا طلع في دماغ ركاب أوتوبيس أن يتجهوا إلي سيدنا الحسين والسيدة زينب للدعاء.. ثم تطور الأمر وقرروا أن يظل نصفهم في الحسين والآخرون في مسجد السيدة ليقرأوا سورة "يس" طوال وقت المباراة.. وقد كان.. ضد كل التوقعات وكل المنطق وكل مقاييس القوة.. فاز نادي الاتحاد بهدف طلعت يوسف الذي طار حذاؤه مع الكرة.. وكانت النكتة أيامها أن إكرامي أمسك بالحذاء وترك الكرة!!! وكان الحكم إيطاليا واحتج الأهلي ولكنه احتسب الهدف وفاز الاتحاد.
...
- لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟!
- لأن مصر المحروسة.. بعاصمتها التي يشق صوتها عنان السماء خمس مرات كل يوم ليركع ويسجد كل من علي الأرض.. لن تضام.. صبرت وستنال كل المراد بإذن الله.
بمجرد انتهاء حرب 1973 جمع سعدالدين وهبة وكيل وزارة الثقافة بتعليمات من السادات كل فناني وفنانات مصر في عدد كبير من الأوتوبيسات وذهبنا إلي السويس لنري كل البيوت تهدمت تماما ماعدا عمودان طويلان جدا.. وسط رمال وطوب.. المآذن والنخيل!!! قلت يومها وكتبت.. هذه هي الحياة.. نأكل بلح مريم ونسجد لله شكرا.