غاب عنا اليوم أمر مهم ألا وهو النصيحة التي نحن بحاجة إليها ليل نهار فالنفوس طبيعتها أنها تكل وتمل وتتكاسل فهي بحاجة دائمة إلى من يذكرها ويأخذ بيدها إلى الصواب كي تستقيم وتصلح من عيوبها، ما ينبغي علينا تجاه إخوتنا المسلمين هو نصيحتهم والتماس العذر لهم، وينبغي ألا نتصيد الأخطاء لهم، وإنما نتلمس المعاذير لهم مع النصيحة لهم، استنادا لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الدين النصيحة قالها ثلاثاً قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "ثلاث خصال لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم" لا يغل عليهن أي يكن طهارة لقلبه من الغل، فلا يجتمع القلب على الغل إذا حقق هذه الخصال الثلاثة "إخلاص العمل لله -عز وجل- ومناصحة أولي الأمر، ولزوم الجماعة" والمقصود بالجماعة: لزوم الدين وما عليه جمهور المسلمين أي أن تلزم الدين فلا تبتدع .
وأيضاً في الحديث الصحيح أن عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- "بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- على السمع والطاعة، وألا ينازع الأمر أهله ثم قال: والنصح لكل مسلم" إذن: النصح لا بد أن يكون لكل مسلم، فنحن ننصحهم ونتلمس العذر فيما يقومون به ما استطعنا إلى ذلك من سبيل ما لم يكن ما يفعلونه خطأً واضحاً لا مرية فيه ولا شك .
وهذه النصيحة لابد أن تتصف بصفتين: الرفق، والسر أو الإسرار .
إذن فلا بد أن تكون النصيحة سرًّا إما في كتاب تدفعه إلى أخيك، أو تختلي به، وإما أن تبلغ النصيحة لمن يبلغها له، هذه كلها سبل تبليغ النصيحة بطريقة مقبولة ولا بد أن تكون النصيحة بالرفق دون تغليظ ودون تعنيف.
وقد أُمرنا أن ننصح لله ورسوله، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة"، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقد يكون في رأيك ما خفي على غيرك .
ولما جلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يوما، وقال أتدرون ما الشجرة الطيبة، وذلك في قوله تعالى {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} فلم يصب أحد الجواب، وكان في روع ابن عمر أنها النخلة، ولكنه استحى أن يقول ذلك أمام كبار الصحابة رضي الله عنهم، فلما قال الرسول لأصحابه: "إنها النخلة" وانتهى المجلس، قال ابن عمر لأبيه عمر: والله يا أبتِ، لقد وقع في نفسي أنها النخلة"، فتمنى عمر أن لو كان قالها ولده في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فليكن الواحد منا لإخوته كالنخلة يرميها الناس بالحجر فترميهم بأطيب الثمر مستشعرًا ثواب الله في الآخرة وعظيم أجر الصابرين إن شاء الله .
وإياك أن تخاصم أو تقاطع فهذا ليس من أخلاق المسلمين على الإطلاق، فصِلْ ولو شيئا يسيرا، المهم أن تخرج من ذنب المقاطعة والمخاصمة فتلك ليست بأخلاق المسلمين، فأخلاقهم ملؤها الود والتراحم والتناصح فيما بينهم، وقد ضرب لنا الرسول الكريم قائلا: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فاللهم رد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا وارزقهم خلق النصيحة الذي يمنعهم من الوقوع في الزلل .