كنا فى قطار 986 الثانية ظهر الإثنين الماضى المتجه من القاهرة إلى سوهاج, حين وقف أحد الشباب ما بين عربات القطار لعدم وجود مقعد له داخل العربة هتف وقال : وزير الزراعة الحالى «اتقفش يا جماعة» حملة نظافة البلد بدأت يا بشر.
كان كل ركاب العربة تقريبا منشغلين بالخبر , ووجوههم كانت منكبة على شاشات هواتفهم، فهذه أول مرة يلقى القبض على وزير فى السلطة وتتباهى حكومته بأنها لم تتستر عليه, صحيح أنه كان قد قدم استقالته فور خروجه من مقر الحكومة إلا أن المشهد الدال على طهارة وزارة محلب قد بدا احترافيا للغاية وتم إخراجه بعناية لدرجة أنك لا يمكن أن تشك لحظة واحدة بأن ما تم هو مشهد للشهرة ومغازلة الإعلام، ولا مكان فى الوزارة منذ اللحظة للوزراء اللصوص .. هكذا يقول المشهد.
كان كمسارى القطار يمر فى طرقة العربة وهو ممتقع الوجه غاضب مناديا باستياء: تذاكر .. تذاكر، اللى ركب من بنى سويف يا بهوات، بينما ظل الركاب على تركيزهم على شاشات هواتفهم، ولما شعر أنه يسير بين ركاب غالبيتهم سياسيون وخبراء ومحللون لا ينتبهون إلى ندائه، ابتسم الشاب صاحب الهتاف والإعلان عن الخبر الذى كان يسير وراء الكمساري، وقال طبعا يا بهوات أنتم تنتظرون أخبارا جديدة، وقال: أرجوكم لا داعى ان تتعبوا أنفسكم واحمدوا ربنا أنها جات على وزير واحد ونظرة منكم واهتمام بالكمسارى الغلبان هو خير وأبقي.
كنت انظر إليه وأنا مشفق عليه من درجة التفاؤل الشديدة التى رأيته عليها، وأعود مرة أخرى إلى الخبر المكتوب لعل وعسى أن أجد إجابة له تطمئن قلبه بأن إقالة وزير الزراعة هى فعلا بداية لتطهير واسع للفساد، ولكن للأسف لم أجد الا تصريحات من رئيس الحكومة تقول بأن الوزارة باقية لا تعديل فيها، وأننا لن نتستر على فساد مما يعنى الاكتفاء بالإطاحة بوزير واحد، وهذا يبدو فى عرف الحكومات أنه كفاية جدا لسعادة الناس.