محمد السيد عيد
سأل الإسكندر صاحبه : ألا توجد شرطة لتنظيم هذه الفوضي؟
قال الإسكندر لقائده بطليموس : أشعر بحنين لرؤية الإسكندرية
كان بطليموس هو القائد الذي تولي إكمال بناء المدينة بعد رحيل الإسكندر، وهو الذي بدأ في إنشاء المكتبة والمنارة بها. لذلك رد علي سيده : وأنا أيضاً أشعر بحنين إليها.
أخذ الرجلان إذنا بنصف يوم من العالم الآخر لزيارة الإسكندرية، ونزلا ليريا المدينة. نزلا في منطقة البياصة باعتبارها بداية منطقة راكوتيس، أصل الإسكندرية فإذا بهما يجدان أكوام الزبالة تحاصرهما، ونظر الإسكندر إلي الأرض فوجد المجاري تفوح رائحتها، والغريب أن في المكان سوقاً للخضراوات والفاكهة. نظر الإسكندر لبطليموس متسائلاً : ماهذا؟ كيف تكون مدينتي بهذه القذارة ؟ قال بطليموس : أقسم إنها كانت أجمل مدينة علي وجه الأرض لكن يبدو أن حاكمها في هذا الزمان رجل مهمل لايعرف قيمة المدينة التي يحكمها.
فجأة خبط شيء ما الإسكندر وكاد أن يطرحه أرضاً. اندهش الإسكندر من شكله. سأل : ماهذا ؟
قالوا : تكتك
قال : وما التكتك ؟ أهو حصان حديدي؟
قالوا: بل حمار، أو جحش عصري.
قال : إنه قبيح الصورة. ردوا : لم يعد القبح مرفوضاً في هذا الزمان. قال الإسكندر لسائق التكتك: ألا تحاسب ياأخي بدلاً من إيذاء الناس ؟ نزل السائق الذي لايزيد عمره علي أربعة عشر عاماً ممسكاً بمطواة قرن غزال، وقال له : علي النعمة لو تكلمت كلمة زيادة لأشرحنك أمام الخلق.
نصح أولاد الحلال الإسكندر بألا يرد عليه، قالوا له إن هؤلاء الأولاد يتعاطون الترامادول ولايدرون ماذا يفعلون. سألهم : وما الترامادول؟
قالوا: لاتضايق نفسك بكثرة الأسئلة.
اتجه الإسكندر وصاحبه إلي شارع كرموز، فوجدا الترام يسير بصعوبة من شدة الزحام، وباعة القماش الذين يفترشون الأرض، ورأي سوراً ممتداً بطول الشارع فسأل : ماهذا ؟ قالوا : هو سور المقابر. قال : هل توضع القبور الآن وسط الأحياء ؟ لقد كنا نضعها خارج المدن حفاظاً علي الصحة. قال بطليموس : لابد أن الموتي يشعرون بالوحدة ويريدون التسلية، لذلك أقاموا لهم المقابر وسط الأحياء. قال الإسكندر لصاحبه : لنترك هذا المكان فوراً.
ذهب الرجلان إلي محطة مصر ليركبا مواصلة تأخذهما لمكان آخر. وجداً زحاماً وفوضي لاحد لهما. سأل الإسكندر صاحبه : ألا توجد شرطة لتنظيم هذه الفوضي؟ صمت بطليموس ولم يجب. سأل الإسكندرأحد المارة : ماذا نركب للوصول إلي الرمل ؟ قال : اركبوا المشروع. سأل : وما المشروع ؟ قال : هي سيارة سريعة تحمل الركاب إلي العالم الآخر، عفواً، أقصد إلي أحياء المدينة الأخري.
وصل المشروع إلي منطقة الساعة، وإذا الباعة يشغلون الطريق ولا يتركون سوي حارة واحدة للسيارات. أما ميدان الساعة نفسه فهو أعجوبة :التكاتك تسير عكس الاتجاه، والميكروباصات تقف في عرض الطريق،وباعة الفاكهة يحتلون ويسدون كل المنافذ، وأكوام القمامة لاحد لها. دخل الإسكندر إلي شارع جانبي ليهرب من الزحام فوجد الشارع الضيق قد ارتفعت فيه العمارات لما يقارب عشرين طابقاً : تعجب : كيف تدخل الشمس هذه المباني ؟ إنها غير صحية. كيف وافقوا علي إنشائها؟ همس بطليموس : لابد أنهم بنوها دون ترخيص أو دفعوا الرشاوي للمسئولين. ضرب الإسكندر كفاً بكف، وقال : ليتنا لم ننزل إلي هذه المدينة التي صارت مشوهة قذرة لاتعرف النظام.
في طريق الحرية رأيا موكباً فخيماً. عرفا أنه موكب المحافظ. اعترض الإسكندر طريق الموكب وأجبره علي التوقف. فتح باب سيارة المحافظ وقال له بغضب : من الذي عينك لتشوه مدينتي الجميلة ؟ مثلك لايصح أن يكون حاكماً لهذه المدينة ذات التاريخ العظيم. قل لمن عينوك إن الإسكندر يريد حاكما يعرف قيمة مدينته ويعيدها عاصمة للدنيا كما كانت، وإذا لم يفعلوا فلتتحملوا جميعاً ماسيقوله عنكم التاريخ الذي لايرحم.