دم شبابنا سهل ورخيص.. وما حدث في كارثة استاد الدفاع الجوي شهادة وفاة لقيمة ومكانة واحترام الإنسان.
فشبابنا سواء كانوا ألتراس أو مراهقين أو مشجعين عاديين ذهبوا يحتفلون بدخول الجمهور مباريات كرة القدم.. ذهبوا يهتفون ويشجعون ويهللون.. وكان مع البعض منهم تذاكر لدخول المباراة..والبعض الآخر لم يتمكن من الشراء للقيود المفروضة علي عدد الحضور.
ومن كان يملك تذكرة النجاة من الموت فقد تمكن من الدخول ومن كان بلا تذكرة واجه التدافع والتزاحم وقنابل الغاز ووقف ليشاهد مصرع العشرات من الاختناق والتدافع والسقوط تحت الأقدام في مجزرة جديدة تسيل فيها الدماء المصرية وتنقل فيها سيارات الاسعاف الجثث إلي المشرحة وحيث كان ممكنا حدوث مجزرة أخري نتيجة تدافع الأهالي لاستلام جثث الأبناء والأصدقاء.
* * *
ولك الله يا مصر.. فمشاهد ولقطات شبابنا وهو ملقي علي الأرض جثثا هامدة بلا ذنب اقترفوه ولا جرم ارتكبوه لم تصبنا فقط بالصدمة وإنما بنوع من اليأس علي ما يجري في هذا البلد.. وما يحدث في مصر.
فكلما أفقنا من صدمة آتتنا صدمة أخري أعنف وأكثر وأشد إيلاماً.. وكلما أحسسنا بشعاع من الأمل وبالسفينة تنطلق إلي الأمام كلما رأينا من يحاول إيقافها ومواصلة الأحزان..!
ولا ندري علي من نوجه أصابع الاتهام.. ومن المسئول ومن يعاقب في كل ما يحدث.. ولماذا وصلنا إلي هذه المرحلة التي نتوقع فيها كل يوم كارثة من أي نوع ومفاجأة في أي مكان..
وهل كان يفترض أن تقوم قوات الأمن بالسماح للجميع بدخول الاستاد وتأمينهم في الداخل.. أم كان واجباً عليها تنفيذ واجباتها والالتزام بالعدد المحدد وإبعاد الجماهير المخالفة وتطبيق القانون.
وأي قانون هذا.. وأي خطة أمنية هذه التي تسمح وتتقبل سقوط الضحايا وموت الأبرياء من الشباب..!
* * *
وكارثة الكوارث أن يكون هناك من يتعامل مع سقوط كل هؤلاء الضحايا بهدوء ودون تأثر وأن يخرج علينا أحد أعضاء مجلس إدارة اتحاد كرة القدم ليقول "ما الداعي لإلغاء الدوري.. ها يبقي موت وخراب ديا. ما كل يوم بيموت شهيد".
والعبارة والتصريح لا تعني إلا أن الموت قد أصبح سهلاً وأن دماء القتلي أصبحت رخيصة مع أن بلداً مثل الأردن انتفض بأكمله ولم يهدأ لأن مواطناً أردنياً واحداً وهو الطيار الذي أسرته حركة "داعش" قد أعدم.. بينما يريدنا البعض هنا أن نهدأ وأن ننسي وأن نواصل لعب ومشاهدة كرة القدم..!
* * *
ونحن في انتظار تحقيقات النائب العام لتحدد المسئولية بوضوح وبحزم.. فإذا كانت الداخلية قد أخطأت في خطة تأمين المباراة والتعامل مع الجمهور فليتم محاسبة المسئول عنها أمنياً. وإذا كانت الداخلية قد قامت بواجبها والتزاماتها فإن كل الأصوات التي تتربص بالداخلية وارتفعت توجه إليها كل أنواع الاتهامات عليها أن تصمت حتي لا تشارك في كارثة ومؤامرة أكبر هدفها اسقاط الداخلية مرة أخري..!
* * *
وعذراً عن عدم استكمال بقية فقرات المقال فما الذي يمكن أن يكتب وأن يقال.. ففي العين دمعة وفي القلب غصة.. وفي العقل حيرة.. فنحن شعب ينتحر بإرادته.. فلم تعد مشاهد الموت تؤثر في القلوب التي تحجرت والمشاعر التي تجمدت..!
ماذا حدث لنا وفينا.. ما الذي غيرنا وحولنا من شعب مقبل علي الحياة إلي شعب كاره لكل شيء ولا نظهر إلا أسوأ ما فينا.
وكان الله في عون من يحكم مصر في هذه الظروف.. ها يلاقيها منين ولا منين..!!