الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. الغاز.. لماذا أمام الدلتا؟
سيذكر التاريخ أن الكيميائى عبدالهادى قنديل الذى تولى مسئولية وزارة البترول منذ أوائل الثمانينيات أنه أول من اهتم بالغاز والبحث عن الغاز.. ليس فقط لأنه «كيميائى خريج كلية العلوم» ولكن لأنه اكتشف مبكرًا أهمية هذا الغاز كمصدر نظيف للطاقة، بينما كنا قبله نحرق هذا الغاز إذا خرج مصاحبًا لزيت البترول، أو نعيد ضخه فى الآبار ثم إحكام إغلاقها! تمامًا كما سيذكر التاريخ أن المهندس سامح فهمى هو أكبر من اهتم بتصنيع هذا الغاز.. ووضع برنامجًا طموحًا لهذه الصناعات البتروكيماوية بل وسبق - فى هذا المجال - كثيرًا من الدول المنتجة للبترول والغاز معًا.
<< وأتذكر فى أحد حواراتى مع الكيميائى عبدالهادى قنديل.. أننى طلبت منه الاهتمام أكثر بالبحث عن الغاز سواء فى دلتا النيل - وقد كنت أول من كتب عن أكبر كشف غازى فى مصر - هو حقل أبوماضى فى أواخر الستينيات شرق رشيد وتشهد على ذلك جريدة الأخبار ومجلة آخر ساعة، وطلبت من الوزير الاهتمام أيضا بالبحث عن الغاز فى المياه الإقليمية وأيضا المياه الاقتصادية المصرية بالذات أمام - أى شمال - الدلتا ثم فى شمال شرق الدلتا.. أى من شرق فرع رشيد ثم فرع دمياط، وإلى آخر حدودنا المائية.. ذلك أن النيل وحسب اتجاهات حركة مياه البحر المتوسط من الغرب، إلى الشرق، كان يحمل خيرات هذا النهر شمالا بشرق حتى إلى ما بعد حدودنا مع فلسطين.
<< نقول ذلك لأن معظم دالات الأنهار الكبرى فى العالم كله - هى أفضل بيئة صالحة لنشأة المواد الكربوهيدراتية التى هى أساس مادتى زيت البترول والغاز من بقايا حيوانات هائلة إلى أشجار ونباتات كثيفة تحملها هذه الأنهار وتلقى بها فى البحار.. ودليلنا - مثلا - خليج المكسيك الذى يصب فيه العديد من الأنهار الكبرى مثل المسيسيبى وكولورادو وعشرات غيرهما من الأنهار.. وفى هذه المنطقة أكبر حقول البترول والغاز الأمريكى والمكسيكى بل إنه بعد اكتشاف البترول فى المكسيك وصفوها بأنها «الكويت الجديدة». وكذلك منطقة بحر قزوين، حيث يصب فيها أكبر أنهار روسيا وهو الفولجا واورات وما حول منطقة باكو الشهيرة.. وحتى سيبيريا التى تجرى فيها وتصب العديد من الأنهار، فوق الأرض.. وتحت الأرض، وكذلك حقول البترول والغاز فى فنزويلا - وهى إحدى الدول الأساسية التى أنشأت منظمة الأوبيك. وهل ننسى منطقة الخليج العربى من جنوب العراق غربًا إلى جنوب غرب إيران «حول منطقة عبادان الشهيرة» ثم الكويت وقطر وأبوظبى، وحتى عمان.
<< ولكن الشركات العملاقة التى تنفق المليارات: وقد تعثر أولا تعثر على أى شئ كانت تركز عمليات البحث فى المناطق البرية.. فإذا تجرأت تقدمت بعض الشئ للبحث داخل المياه - غير العميقة - مثل الخليج العربى وبحر قزوين، وأمام شمال خليج المكسيك وبحيرة ماراكيبو فى شمال فنزويلا، ولم تكن تجازف بأموالها بالبحث فى المياه الأكثر عمقًا بسبب ارتفاع تكاليف البحث والحفر سواء للاستكشاف أو للإنتاج بعد ذلك.. ويا هول هذه التكاليف.. فضلاً عن إنشاء مناطق للإنتاج ومد خطوط الأنابيب لتجميع المنتج من كل هذه الآبار.. ثم بدء عمليات النقل والتصدير.. وهذه كلها عمليات رهيبة لا تقدر على تكاليفها حتى الدول الكبرى.
إلى أن جاء الكشف الكبير عن البترول والغاز فى شمال بحر الشمال - وهى منطقة عميقة للغاية وشديدة الخطورة.. حتى أن شركة البترول البريطانية باعت بعض امتيازاتها فى أبوظبى - مثلاً - لكى تحصل على التمويل الكافى لمواصلة عمليات البحث ثم الإنتاج.. وهو الحقل الذى أدخل بريطانيا كمنتج للبترول والغاز داخل مياهها الاقتصادية.. هى والنرويج.
<< هذا الكشف العظيم شجع الشركات الكبرى على الإقدام على الانفاق على عمليات البحث فى المياه العميقة.. بل وما تحتها بأعماق كبيرة.. وهذا أدى إلى تطوير معدات وعمليات البحث.. فى المياه العميقة.
وفى مصر، كان أقصى ميدان للبحث، هو خليج السويس.. وهو أقل عمقًا من خليج العقبة.. ولكن وبسبب الفقر الرهيب فى الطاقة تشجعت مصر على عرض مناطق للاستكشاف فى المياه العميقة سواء المياه الإقليمية أو فى المياه الاقتصادية المصرية.. وجاءت شواهد ثم اكتشافات الغاز فى المنطقة الممتدة من شمال شرق بورسعيد وسيناء وإلى قبرص وإسرائيل وغيرهما لتؤكد الاحتمالات الطيبة.. وجاء حقل شروق ليضع النقط فوق الحروف.. ونكتشف الغاز فى المياه المصرية الإقليمية ومن المؤكد أن هذا سيفتح المجال لتنشيط البحث داخل المياه الاقتصادية.. أى داخل المنطقة المجاورة لمنطقة الكشف الإسرائيلى وأيضا الكشف القبرصى.. وكلها فاتحة خير تعيد مصر إلى صحبة الدول المنتجة للطاقة البترولية.. بعد أن تحولنا من دولة منتجة إلى دولة مستوردة.
<< تلك مقدمة كان لابد منها قبل أن ندخل إلى عمق أعمق حقل غازى مصرى، على عمق 4150 مترًا تحت مستوى البحر!!
وغدا نواصل.. فالقضية تمس مستقبل مصر.. ومستقبل شعبها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف