الوطن
سهير جودة
كل هذا الفساد!
قضية فساد وزارة الزراعة أول تحرك قوى وجاد وحاسم وواضح تعلن فيه الدولة انحيازها ضد الفساد، ولأن الإشارات الواضحة لا تخطئها الناس، فإشارات من هذا النوع تترجم فورياً إلى شعور بالطمأنينة والأمن والعدل والثقة.

قضية فساد وزارة الزراعة المتخمة بالفساد كغيرها من المؤسسات أول طلقة حرب حقيقية يجب أن تخوضها الدولة ضد الفساد وسيتضامن معها ملايين الشرفاء من الناس لأن الانتصار فيها يعطى أملاً حقيقياً فى المستقبل.

الفساد فى مصر أصبح وباء شعبياً مزمناً موجوداً فى الناس العادية كما هو موجود فى الأسماء الكبيرة وأصحاب المناصب المهمة وكأن الفساد هو الحبل السرى الذى يجذبنا للبقاء فى رحم الماء الآسن المستعصى على الامتصاص أو التبخر.

وأينما تولى وجهك يدهشك الفساد ويدهس القيم، فساد يمضغ فساداً حتى أصبح أصفاداً ثقالاً يعوق حركة الوطن، وكأن النفايات البشرية ابتلاء، وكأن إفساد المجتمع مبدأ وعقيدة، وكل فساد يتخفى بقذارته ويخرج منها مشيراً لفساد الآخرين.

وتعاطى وتداول الفساد جعل الوطن وكأنه أصبح قِبلة -بكسر القاف- للفساد، فالمناخ والقوانين والثقافة والسلوكيات الرديئة تعطيهم قُبلة الفساد، بضم القاف، وفى المقابل، وبرغم كل هذا الفساد، فمحصلة الكتلة العامة من المصريين هى الأقوى من هذا الوباء بشرط أن يدركوا أن القضاء على الفساد سيعود بمصلحة حقيقية عليهم ولن يتوقف عند إزاحة فاسدين لصالح فاسدين آخرين وكأننا نتخلص من قدامى الفاسدين بفاسدين جدد.

والشرط الثانى هو اليقين بأن هناك جدية بلا هوادة فى تطهير الوطن من هذا الوباء، وإذا وجد الهدف الواضح والردع الحاسم وكان العائد معروفاً والعقاب حاضراً فهذه ضمانات الانتصار، وحتى نكون أكثر واقعية فلا بد أن ندرك أبعاد وباء الفساد فى مصر الذى يلخص تقرير الشفافية الدولى الذى يضع مصر فى مركز متأخر جداً، بما يعنى أن ما يظهر فيه هو قمة جبل الجليد وأن القضاء على الرؤوس لن يزيل جذور الفساد.

وبحيرة الفساد فى مصر اتسعت وأصبحت نهراً متدفقاً لا يكفى أن نرمى فيه حجراً، ولكن يجب تجفيف منابعه التى ندركها ونتعايش معها وتظهر يومياً فى حياتنا وكلما ندركها ولا نبالغ إذا قلنا إننا جميعا جزء منها وإننا بأشكال مختلفة نساهم فى اتساع المستنقع العتيق للفساد فى مصر.

والوحل الحقيقى الذى نغرق فيه منذ سنوات طويلة يبدأ من الأحياء إلى كل منظومة المجالس المحلية فى القرى والمدن والمحافظات.

وإذا كانت هناك إرادة حقيقية لتطهير مصر من هذا الفساد فلا بد أن تكون البداية من أسفل والانتشار فى جميع أنحاء مصر وتكون أدوات التفتيش والمراقبة والعقاب حاضرة وماثلة أمام أعين مئات الفاسدين ممن يعملون فى هذه المنظومة مع ملاحظة أن كل فاسد يقع يردع حوله عشرات الفاسدين وأمثاله فى مواقع متشابهة.

لا بد أن نوقن أن مستنقع الفساد وأوحاله متوغلة فى جميع المصالح الحكومية بلا استثناء، ويجب أن ينطبق عليها ما ينطبق على الأحياء والمجالس المحلية.

ولا بد للدولة ألا تخشى من ضرب الفساد بحجة أن بعض الشرفاء سترتعش أيديهم ويتوقف دولاب العمل خوفاً من العقاب، يجب ألا تتردد الدولة فى خوض هذه الحرب التى لا تقبل الحلول الوسط ولا يقدر عليها إلا أصحاب العقول الجريئة.

ضرب الفساد وبلا تردد وبلا حسابات والمعايير والإجراءات التى تأخذ بها الدولة لضرب الفاسدين والإيقاع بهم لا بد أن تكون صارمة ودقيقة بحيث لا يؤخذ بها مظلوم، ويجب ألا تتخوف الدولة من شعارات حماية الاستثمار أو تخويف أصحاب القرار من التوقيع على أوراق واتخاذ قرارات؛ لأن هذا المنطق لعب على الحبال وإمساك العصى من المنتصف والدوران حول النقطة لنبقى غارقين فى دوامة تجعلنا أسرى لهذا الوباء.

والتحدى فى هذه الحرب أيضاً للقوانين المتعلقة بالمنظومة الإدارية فهى قوانين بائسة أو فاسدة وتفتح أبواباً أمامية وخلفية للفساد وللأسف بالقانون.

نحن فى أمس الاحتياج إلى ثورة تشريعية فى هذه المنظومة من القوانين.

الحرب بدأت ونتمنى ألا توافق الإدارة السياسية على وقف إطلاق النار فى هذه الحرب أو القبول بهدنة أو الجلوس على مائدة المفاوضات مع الفاسدين ويجب أن يكون مبدأ الدولة: الفاسدون المتحدون لا تجمعهم إلا السجون، وعليها أن تواجه كل من يتخذ من الفساد مهنة له بلا حياء ولا خجل، بل بكل فخر وفجاجة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف