عباس الطرابيلى
الغاز: من القحط إلى السيل!
لأن كل المصريين، يعانون وبشدة، من نقص الطاقة.. فإنهم فى قمة السعادة بالكشف الغازى الجديد فى منطقة شروق.. ولكنهم يتعجلون ما يعود عليهم من هذا الكشف لأنه من الواضح أنه سيعيد مصر الى دولة منتجة للبترول والغاز بعد أن كانت قد تحولت الى دولة مستوردة فى السنوات الأخيرة.. وهو ما يعنى أن تستعيد مصر أنفاسها، بعد القحط البترولى والغازى الذى جعل كل مصرى يحس بالإحباط.
ولولا سرعة مساعدات الأشقاء لنا وفى المقدمة السعودية والإمارات ثم الكويت.. وبعض الشئ «الجزائر» وبالثمن لو مخفضاً لما استطعنا الصمود، خصوصاً فى السنوات الخمس الأخيرة.. وهى دول قدمت المال.. وأيضاً شحنات بترولية وغازية معظمها بدون ثمن.. وبعضها مؤجل الثمن.
<< ويعتقد معظم المصريين أننا سوف نستفيد ـ وفوراً ـ من هذا الكشف فالكبير.. وما علموا أنه ما بين الإعلان عن الاكتشاف.. وبين الاستفادة نحتاج إلى عدة أعوام لا تقل عن أربعة أو ربما خمسة.. ذلك بسبب وجود الكشف فى المياه العميقة تصل الى أكثر من 4131 متراً هذا يحتاج الى حفر عدة آبار لتحديد حجم الكشف بالضبط.. رغم ما أعلن من أن الطبقة الحاملة للغاز سمكها 2000 قدم أى 630 متراً هى طبقة كبيرة.. وربما هى أكبر كشف للغاز فى منطقة من صخور الحجر الجيرى.. وقد لا يعرف الواحد قيمة الكشف بالقدم المكعب وهى وحدة قياس بريطانية تقول إن الاحتياطى المعروف حتى الآن ـ هو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز.. لذلك نقرب للمصرى العادى الذى يعرف فقط القياس ببراميل البترول، فنقول إن هذه الكمية 5 مليارات ونصف مليار برميل من الزيت المكافئ.. تخيلوا 5.5 مليار برميل ماذا يمكن أن تفعل فى مصر.. العطشانة «قوى» للطاقة.
<< وميزة أخرى لهذا الكشف هى أن هذا الحقل يمتد على مساحة 100 كيلو متر مربع تضاف الى كونه أول كشف غاز فى مصر.. الحجر الجيرى.. وتخيلوا قيمة كل ذلك فى بلد أخذ يمد يده ليستورد الطاقة، من كل الأصدقاء العرب والأجانب.. لأن الطاقة لا جنسية لها.. أى أن هذا الكشف هو «بشرة خير» لمصر ويحسن كثيراً من الوضع الاقتصادى المصرى.. وهنا نحذر من سرقة بعض هذا الغاز.. خصوصاً بطريقة الحفر المائل.. فإذا كانت الشركات تحفر حتى عمق 5000 متر.. فلماذا لا تحفر.. بالمائل مثلها لتسرق ما ليس لها.. وهنا نتذكر إدعاءات صدام حسين عندما اتهم الكويت بأنها تسرق بترول حقل الرميلة على الحدود بين البلدين. وكفى ما سرقه القذافى من مياه مصر الجوفية على الحدود بين ليبيا ومصر.. فيما عرف باسم «النهر العظيم».
<< المهم الآن: كيف نستعجل الشركة الإيطالية صاحبة هذا الامتياز «باينى» لكى تستخرج هذا الغاز فى مدة عامين لا أكثر وليس أربعة أعوام؟ وأعلم هنا أن ذلك يحتاج الى مليارات عديدة من الدولارات ولكننى أعلم أيضاً أن الكشف الغنى هذا سوف يعوض كل ذلك. أقول ذلك لأن المعلومات الأولية تقول أن الشركة سوف تقوم بحفر 20 بئراً لتنمية إنتاج هذا الحقل.
هنا نشير الى أن مصر عندما سددت حوالى نصف ما للشركات الأجنبية العاملة فى مصر ـ مقابل شراء حصصها.. شجعت بذلك هذه الشركات على التقدم فى عملياتها سواء لتنمية ما تحت يديها من حقول أو لتشجيعها على أعمال البحث والاستكشاف.. فالقاعدة ـ فى عالم البترول والمال أيضاً تقول ـ إدفع.. تحصل على المزيد.
وهكذا وطبقاً لما هو معلن حتى الآن فإن مصر سوف تتمكن من وقف استيراد الغاز عام 2020.. ويا ليت الشركة تزيد من حجم عملياتها.
<< ونشير هنا إلى أن انتاج مصر من الغاز كان حوالى 6 مليارات قدم مكعب من الغاز قبل ثورة 25 يناير 2011.. فإن هذا الإنتاج أهبط الآن الى 4.4 مليار قدم.. ثم ان 3 محطات الكهرباء التى تعاقد عليها الدكتور محمد شاكر ـ مشكوراً ـ وزير الكهرباء تحتاج 2.4 مليار قدم مكعب.. وهذه ستعمل إن شاء الله فى العام القادم لم نكن نعرف من أين ستوفرها مصر.. حتى جاء الفرج فى حقل شروق.. ولكن علينا أن نتحمل حتى عام 2020 أى لحين انتهاء شركة إينى من تطوير هذا الحقل وتدخله الى عالم الإنتاج.
<< أى أن الكشف الجديد جاء فى وقته.. وهو فعلاً هبة من الله سبحانه وتعالى لإنقاذ مصر.. المحروسة بأوليائها.. وجهود شعبها.
هنا لابد من تعاون وثيق بين قطاعى الكهرباء والبترول حتى نعبر مرحلة هذا القحط الشديد فى الطاقة.. وهذا موضوعنا فى مقال غد إن شاء الله.