بعد انسحاب قائمة «صحوة مصر»، التى كانت تعبر عن طيف مختلف داخل المشهد الانتخابى، ومع ما يتردد من أن قائمة «فى حب مصر» تتزاحم بفلول الحزب «المنحل»، ومع دخول حزب النور بقائمة فى إطار الانتخابات، ومع التنبيه إلى أن عدد المقاعد المخصصة للقائمة 120 مقعداً لا غير، يصبح المشهد الانتخابى الحالى رهاناً بين حصانين: حصان «المنحل»، وحصان «النور»، والمنحل كما تعلم هو الحزب الوطنى، أما «النور» فحزب السلفيين. أقول ذلك لأن أغلب الأسماء التى قدمت أوراق ترشيحها حتى الآن تنتمى لأحد الحزبين. ليس ثم جديد، وكأننا نستعيد من الذاكرة مشاهد انتخابية سابقة عشناها على مدار ثلاثة عقود، كان التنافس فيها غالباً ما يكون بين الإسلاميين، و«أبناء مبارك»!.
المال ولا شك يعد عاملاً مهماً من العوامل التى تجعل المشهد يقتصر على هذين الحصانين، فكلاهما يمتلك المال، بغض النظر عن مصدره، وهو يملك أيضاً الأنفار التى يمكن أن تتحرك وسط الناخبين بالسيولة وبالعينيات لدفعها دفعاً إلى اختيار مرشحيهم، والمواطن من ناحيته يريد من يطعمه ومن يعطيه، ولا يكترث كثيراً بأن من يمنح صوته لتاجر نخاس يستغل جوعه وعوزه. المواطن الذى يبيع صوته معذور، لأنه إذا حضرت الحاجة فلا بد أن تتراجع القيم والمبادئ. وقبل أن نلوم المواطنين الذين يتدافعون نحو سوق شراء الأصوات علينا أن نلوم من يتاجرون فى عوزهم ومن يضعهم فى دوائر العوز، فوصلوا إلى حالة من اللامبالاة بالانتخابات، إذ لم يعد لها فائدة ولا جدوى -فى نظر الكثير من البسطاء- إلا فى «الحلوان» الذى يحصلون عليه نتيجة التصويت.
العجز أيضاً يعد عاملاً من العوامل المهمة التى أفضت إلى المشهد الحالى، فعجز الكثير من التيارات المحسوبة على ثورة يناير عن تنظيم نفسها بشكل فاعل داخل الشارع السياسى، وتفرغها للنضال داخل استديوهات الفضائيات، ثم تحول بعضهم إلى ما يشبه «تجار النضال»، وعدم التفاتهم إلى أن الشارع لم يعد يلتفت إليهم. ومشكلة هؤلاء أنهم لم يستوعبوا أن ثورة يناير قام بها الشعب المصرى، وليس هم، هم فقط هرولوا وراء الشعب، الشعب هو الذى ثار ولم يستفد من ثورته، وتجار النضال عاشوا عاجزين عن فعل أى شىء أيام «المخلوع»، وكانوا أجبن من أن يتحركوا قبل أن يتحرك الشعب، وبدلاً من أن يتعلموا من درس الثورة ويعدون وراء الشعب، ويحاولون العمل الجاد داخل الشارع، إذا بهم يكتفون بالأداء «الحنجورى»، بل وباع بعضهم الشعب، حين غازلته السلطة وقربته، والآن يتحدثون عن المال السياسى، وتغلغل رجال «المنحل» فى مفاصل الدولة العميقة، وانتشار السلفيين فى الأوساط الشعبية، وكأنهم بهذا الكلام يقدمون لنا اكتشافاً!.
شواهد عديدة تنبئ بأن مجلس النواب المقبل سيكون «بزرميط». ومن المؤكد أن تشكله على هذا النحو «البزرميطى» لن يكون مفيداً بحال لإنجاح التجربة السياسية الحالية، كما أن توقف الانتخابات لأى سبب طارئ سيضر بالمشهد السياسى أشد الضرر، لأن استمرار الحال على ما هو عليه يعد من المحال. تفاعلات الواقع الانتخابى خلال الأيام الأخيرة تؤشر إلى أننا فى مأزق حقيقى.. جوهره انصراف الشعب عن اللعبة!.