الصباح
خالد عكاشة
عجز «أنصار المقدس » عن تنفيذ عمل ضد الجيش دفعهم لاستهداف القوات الدولية بسيناء
>إيرك تراجر: ينبغى على إدارة أوباما تشجيع استراتيجية الجيش المصرى ضد الجهاديين فى سيناء
عملية إرهابية وقعت بسيناء الأسبوع الماضى استهدفت قوة المراقبين الدوليين المتمركزين هناك، وخلفت 6 مصابين من تلك القوة، اثنان منهما يحملان جنسية دولة فيجى وأربعة آخرون يحملون الجنسية الأمريكية، أصابع الإتهام تشير سريعًا إلى المجموعات المسلحة التابعة «لتنظيم أنصار بيت المقدس» الذين يطلقون على أنفسهم ولاية سيناء، فهو التنظيم الذى يمتلك تقنيات ومهارة تنفيذ مثل هذه العمليات خاصة، وتفاصيل العملية تشير ببصمات التنظيم الذى كرر هذا التكتيك ضد قوات الجيش والأمن المصرى على نفس مسرح العمليات، البداية تكون بمراقبة خطوط ومواعيد السير للهدف ثم تليها زرع عبوة ناسفة بجوار الطريق فى نقطة تسمى «بالحتمية»، حيث سيكون وفقًا لما تم رصده هناك هدفًا يمكن من خلال شخص يراقب بالعين المجردة أن يقوم بعملية التفجير عن بعد فى وقت الاقتراب اللصيق من العبوة، فى الآونة الأخيرة طورت التنظيمات الإرهابية هذه العملية بدراسة تكميلية عن مجموعة احتمالات لقدوم قوة نجدة تابعة للمجموعة التى تم إصابتها، ويتم اختيار الطريق الأكثر ترجيحًا لاستخدامه من قبل قوات الإسناد، ليتم تلغيمه هو الآخر بعبوة ناسفة مكملة للأولى تستهدف القادمين، ويتم تنفيذ التفجير بنفس الطريقة السابقة لإيقاع مزيد من الضحايا، خاصة والمتوقع فى قوات الإسناد القادمة بعد تنفيذ الجزء الأول من العملية أن تكون كبيرة العدد لمجابهة الخطر الإرهابى ولإنقاذ زملائهم، وتقديم العون الأمنى لهم.
استخدمت تلك الطريقة فى تنفيذ عمليات إرهابية داخل سيناء كان أشهرها «كرم القواديس» التى ظهرت فيها تلك التقنية للمرة الأولى، واستطاع التنظيم الإرهابى أن يوقع عددًا كبيرًا من الضحايا، خاصة عندما لم يكتف بزرع عبوات ناسفة للقوات القادمة لمساعدة النقطة التى استهدفت بل تمركز أيضًا فى طريقها ليمطرها بمجموعة من قذائف «الآر. بى. جى» والرشاشات الآلية، وحاول التنظيم الإرهابى استخدامها مرة أخرى فى عملية الشيخ زويد أول يوليو الماضى، لكن قوات الجيش أحبطت محاولته ونفذت عمليات قصف جوى وإنزال لقوات خاصة فى مناطق آمنة، استطاعت من خلالها أن تفكك الألغام والعبوات الناسفة التى تم زرعها خارج نطاق مدينة الشيخ زويد فى الطريق القادم من العريش، وتستخدم هذه الطريقة الآن بنجاح كبير على الأراضى التركية من قبل المجموعات المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستانى، فهى استطاعت خلال نهاية الأسبوع الماضى إيقاع خسائر جسيمة فى صفوف قوات الجيش والأمن التركى قدرت بـ 30 ضحية وعدد يتجاوز هذا الرقم من المصابين فى ثلاث عمليات متتابعة، العملية الأخيرة التى استهدفت القوات الدولية بسيناء أصابت فى مرحلتها الأولى اثنين يحملان جنسية دولة فيجى كانا يقومان بدورتيهما المعتادة، والجزء الثانى من العملية أصاب قوة الإسناد التى كانت تضم أربعة من الأمريكيين، وتم نقل المصابين بطائرة مروحية سريعة لتلقى العلاج بأحد المستشفيات القريبة من موقع العملية الذى تمت بطريق الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد.
استهداف قوة المراقبين الدوليين من قبل التنظيمات الإرهابية فى سيناء يمثل متغيرًا خطيرًا دون شك خاصة والفترة التى سبقت العملية كانت قد شهدت تراجعًا كبيرًا فى العمليات الإرهابية، فقد يكون السبب الأول فى اللجوء إلى استهدافها هو عجز التنظيم الإرهابى عن تنفيذ عمل إرهابى ضد قوات الجيش أو الأمن المصرى، لذلك اختار الهدف الذى قد يكون أسهل من أجل إثبات ذاته، وأنه ما زال موجودًا فضلًا عن المراهنة بأنه بهكذا عمليات قد يتسبب فى خلط أوراق كثيرة ما بين السلطات المصرية وقوات تحمل الصفة الدولية، فتلك القوات كانت بالفعل قد دارت حولها زوبعة إعلامية أمريكية قادتها صحيفة «النيويورك تايمز» حول المخاطر المتوقع تعرض تلك القوات لها، وطرحت الصحيفة رأيًا بضرورة سحب تلك القوات خاصة والتنظيم الإرهابى الموجود بسيناء يقدم نفسه بأنه فرع لتنظيم داعش، فقد تكون تلك القوات هدفًا محتملًا لعمليات إرهابية مستقبلًا، وظل هذا طرحًا إعلاميًا فقط لم تعلق عليه رسميًا أى من الجهات الأمريكية، وأظن أن التنظيم الإرهابى قد التقط طرف خيط هذه الزوبعة الإعلامية ليضع الأمر حقيقيًا على الأرض، بتنفيذ عمل إرهابى يطال حياة جنود أمريكيين مراهنة منه أن يشكل هذا الصخب نوعًا من تغيير أوضاع المنطقة بأى صورة قد تساهم فى فك الحصار الخانق عليه.
لكن قبل التعليق على تلك المراهنة قد يكون مهما العودة إلى نقطة البداية، فيجب أن نعرف كون القوة متعددة الجنسيات فى سيناء لاتخضع للأمم المتحدة، فبالتالى يحق لأى دولة الانسحاب من تلك المهمة دون الرجوع لمجلس الأمن، التاريخ يحدثنا أنه علىالرغم من وجود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى وقعت فى 26 مارس سنة 1979م، وبها ما ينص على أن تتولى قوات ومراقبو الأمم المتحدة القيام بمهام معينة على أرض سيناء وأرض إسرائيل، لكن نتيجة لتهديد الاتحاد السوفيتى باستخدام «حق الفيتو» ضد قرار استخدام قوات الأمم المتحدة ومراقبين دوليين للإشراف على ترتيبات الأمن فى سيناء، فإن الأمم المتحدة لم تنجح فى إرسال مراقبين دوليين تابعين لها، لذلك خرج رئيس مجلس الأمن فى 18 مايو سنة 1981م ليصرح أن مجلس الأمن ليس فى استطاعته التوصل إلى الاتفاق اللازم حول الاقتراح الخاص بتشكيل قوات ومراقبى الأمم المتحدة، وبناء على ذلك طالب مصر وإسرائيل بمراعاة واحترام أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأن يكون هناك اتفاق بإنشاء (قوة متعددة الجنسيات ومراقبين)، ويشار إليها بـ (M F O) وذلك كبديل لقوات ومراقبى الأمم المتحدة، وأن يتم هذا الاتفاق بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم توقيع بروتوكول إنشاء القوة متعددة الجنسيات فى سيناء بتاريخ 3 أغسطس سنة 1981، ويشتمل بروتوكول إنشاء القوة على النحو الآتى: «أن تكون الميزانية الخاصة بالقوة تتحملها كل من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بالتساوى، ثانيًا يقوم الأطراف بتعيين مدير عام مدنى للقوة يكون أمريكى الجنسية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد ويكون مقره (مدينة روما)، و يقوم المدير العام بتعيين قائد عسكرى لمدة ثلاث سنوات بشرط ألا يكون من نفس جنسية المدير العام».
كما نصت الاتفاقية: «أن يكون مقر القيادة العسكرية للقوة متعددة الجنسيات فى سيناء بمطار الجورة القريب من مدينة رفح بشمال سيناء، وأن تكون مهام ومسئوليات القوة متعددة الجنسيات والمراقبين هى نفس المسئوليات المنصوص عليها بالمعاهدة الخاصة بقوات ومراقبى الأمم المتحدة، وتشمل تشغيل نقاط مراجعة ودوريات استطلاع ومراكز ملاحظة على طول خط الحدود الدولية وداخل المنطقة (ج) بالأراضى المصرية والمنطقة (د) داخل الأراضى الإسرائيلية، وإجراء تحقيق دورى للتأكد من تنفيذ نصوص الملحق (أ) والخاص بحجم القوات العسكرية لكلا الطرفين وذلك بما لايقل عن مرتين شهريًا، وإجراء تحقيقات إضافية خلال 48 ساعة من تلقى طلب بذلك من أى طرف من الطرفين، وأيضًا ضمان حرية الملاحة عبر مضيق تيران وفقًا للمادة الخامسة من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية».
تتكون القوة متعددة الجنسيات والمراقبون فى سيناء من القوات التالية كما نصت الاتفاقية: «على أن تضم 3 كتائب مشاة مجموع أفرادها تقريبًا 1700 فرد، منها كتيبة مشاة من (فيجى) تتمركز بالقطاع الأوسط بالمنطقة (ج)، وكتيبة مشاة من (كولومبيا) تتمركز بالقطاع الأوسط بالمنطقة (ج) ومقرهما مطار الجورة، وكتيبة مشاة من (الولايات المتحدة الأمريكية) تتمركز بالقطاع الجنوبى بمدينة شرم الشيخ، و عنصران إداريان من الولايات المتحدة الأمريكية و٣ عناصر من البحرية الايطالية ومعها ثلاث كاسحات ألغام تتمركز بميناء شرم الشيخ لإزالة أى ألغام تم وضعها خلال الحرب، بالاضافة إلى ٤ طيارين من فرنسا ومعها طائرات ركاب صغيرة وطائرات هليوكوبتر للاستطلاع والتحقق الدورى والإمداد والإخلاء الطبى وتتمركز فى مطار الجورة ورأس النقب ونويبع، بالاضافة إلى 5 مراقبين من جنسيات متعددة بمعداتهم، واشترطت الاتفاقية أن يمنح كل طرف من الأطراف (مصر، إسرائيل) للقوة متعددة الجنسيات والمراقبين الامتيازات والحصانات الدبلوماسية اللازمة.
«إريك تراجر» أحد ألمع الباحثين والكُتَّاب الأمريكيين الشباب الآن فى شئون الشرق الأوسط، وهو بدرجة زميل فى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، كتب معلقًا على الحادث الإرهابى الأخير ضد القوة متعددة الجنسيات من وجهة النظر الأمريكية أنه: «نظرًا لأن (القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين) تعد من النجاحات القليلة التى حققتها سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، فإن أى خطة لتقليصها ستزعج بصورة أكثر أولئك الحلفاء الذين يشعرون بالقلق من المغادرة الأمريكية المحسوسة من المنطقة، وستقوض كذلك الجهود التى بذلتها إدارة أوباما لطمأنة هؤلاء الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران، ولهذا السبب إذا كانت هذه الإدارة جادة بشأن تغيير انتشار قوة المراقبين الأمريكية، ينبغى عليها أن تنسق هذه التغييرات مع مصر وإسرائيل لكى تظهر أنها تعمل بشكل كامل مع حلفائها فى السعى إلى تحقيق المصالح المتبادلة، أما المداولات الأحادية فتبعث برسالة معاكسة، وتشير إلى أن واشنطن لا تريد إلا الانسحاب.
وفى موضع آخر بنفس الموضوع ينهى مقاله بهذا الطرح: «فى غضون ذلك، ينبغى على إدارة أوباما الاستمرار فى تشجيع الجيش المصرى على تحديث استراتيجيته ضد الجهاديين فى سيناء، وفى حين رفضت القاهرة سابقًا العروض الأمريكية بتوفير التدريب فى مكافحة الإرهاب، إلا أن المسئولين العسكريين المصريين أبدوا اهتمامهم بهذه التدريبات فى أعقاب «الحوار الاستراتيجى» الذى عقد هذا الشهر بين واشنطن والقاهرة، لذا ينبغى على واشنطن النظر فى الفرص المتاحة لتحسين التنسيق فى مكافحة الإرهاب، وذلك لأن وجود استراتيجية مصرية أكثر فعالية تعنى توفير أمن أفضل لأفراد قوة المراقبين المتعددة الجنسيات وللملايين من المصريين على حد سواء».
آريك تراجر الآن يقرأ فى دوائر صناعة القرار الأمريكى بشكل جيد، ويشارك فى العديد من صياغات الرؤى المتعلقة بملفات المنطقة، وقد سبقه البنتاجون رسميًا فى التصريح الأول تعليقًا على العملية الإرهابية بأن المطلوب هو تدعيم إجراءات التأمين الخاصة بالقوات الموجودة بسيناء، حماية لهم من الهجمات الإرهابية وأى حديث حول سحب تلك القوات يلقى بظلال سلبية غير مطلوبة على الإطلاق، وما سبق يدعو إلى إلقاء الضوء على الرؤية الرسمية والقريبة منها، والتى تقطع الطريق على الدعاوى الإعلامية التى أريد لها أن تنتشر بقوة لتحقيق أهداف مغايرة من قبل أطراف أخرى، وأعتقد أن العملية العسكرية (حق الشهيد) وهى عملية موسعة يبدو من أيامها الأولى أنها تخطط لتطهير مناطق واسعة من أى نشاط إرهابى تضع فى اعتبارها تحقيق عناصر الأمان لقوة المراقبين متعددة الجنسيات، وتقطع أيضًا طريقًا أخطر لاستخدام هذا التهديد الإرهابى للقوات الدولية فيما يمكن أن يضع أمن تلك المنطقة تحت حسابات مختلفة للحسابات الوطنية المصرية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف