المساء
مؤمن الهباء
حضرت الانتخابات وغابت السياسة
بدأت الإجراءات الانتخابية تأخذ شكلها النهائي والجاد.. المرشحون يتسابقون لتقديم أوراقهم.. القوائم الحزبية تعلن عن نفسها بعد أن دخل فيها من دخل وخرج من خرج.. إنها الانتخابات إذن.. كل شيء حضر فيها وصار جاهزاً للمعركة ماعدا العنصر الأهم الذي من أجله كانت الانتخابات وهو "السياسة".
نتابع كل يوم أزمة الكشف الطبي للمرشحين وتصريحات رؤساء القوائم عن أهم الشخصيات التي انضمت إليهم وأزمة تقسيم الدوائر والتهديد من هنا وهناك بالانسحاب من السباق وظاهرة شراء المرشحين أو اختطافهم والحديث الذي لا ينقطع عن المال السياسي.. لكننا لم نشاهد مناظرة سياسة بين التيارات المختلفة المتنافسة.. بل لم نطلع علي التوجهات السياسية لأحد من المرشحين للبرلمان.. ناهيك عن التوجهات السياسية للأحزاب والقوائم والتحالفات.
خطورة هذا الأمر تكمن في الإيحاء بأن الانتخابات القادمة لن تكون سياسية.. وإنما ستكون قبلية قائمة علي العصبية العائلية والعشائرية بامتياز.. بمعني أن المنافسة فيها لن تكون علي أساس سياسي ولا علاقة لها بالمرجعيات الفكرية.. وستعتمد فقط علي نفوذ المرشح في دائرته وقوة عائلته وقدرتها علي حشد الأنصار والتابعين والمستفيدين وليس بناء علي جاذبية المرشح ـ أو الحزب ـ السياسية وأفكاره وتطلعاته وطموحاته ورؤيته وبرامجه للمستقبل.
لم نشهد مثلاً حواراً بين مرشح يميني وآخر يساري.. ولم نتابع منافسة بين حزب وآخر أو تحالف حزبي وآخر علي أساس صلاحية برنامجه السياسي للمستقبل.. كيف سيتصرف في مشاكل الوطن وأزماته.. وما هي أولوياته التشريعية للمرحلة القادمة.
بل إننا لم نسمع صوتاً سياسياً لمرشح أو لحزب أو لقائمة يعلن فيها موقفه من القضايا والقوانين المثيرة للجدل بين المواطنين هذه الأيام ومنها ـ مثلاً ـ قانون الخدمة المدنية وقانون الكيانات الإرهابية وقانون التظاهر وحملة "لا للأحزاب الدينية" واستثناءات قانون الحد الأقصي للأجور وتخفيض الحد الأقصي للضرائب وتجميد الضرائب علي الأرباح الرأسمالية للبورصة وقرارات الزيادة المتصاعدة لأسعار البنزين والسولار والكهرباء والمياه والغاز.
هذه ـ ومثلها كثير ـ هي القضايا التي يجب أن نسمع ونشاهد حوارات سياسية ومناظرات عديدة علي شاشات القنوات التليفزيونية وعلي صفحات الجرائد.. لأنها بطبيعتها قضايا جدلية تحتمل الرأي والرأي الآخر.. واختلاف الرأي حولها يزيدها ثراء ويجعلها أكثر قبولاً لدي المواطن الذي يجب أن يعرف من سينتخب ولماذا ينتخب هذا المرشح أو هذا الحزب دون غيره.
قد يقول قائل إن الناس تعبت من المنافسات السياسية التي انقلبت في كثير من الأحيان إلي صراعات.. وهذا ليس عيب الناس.. وإنما عيب النخبة السياسية التي فشلت في أن تقدم نموذجاً جيداً للمنافسة السياسية يضع حولها خطوطاً حمراء تحميها بالقانون من أن تتحول المنافسة إلي صراع.. وفي كل الأحوال فإن الصراع السياسي سيكون أهون بكثير من أن تتحول الانتخابات في حالة غياب السياسة إلي صراعات قبلية أو طائفية أو أن ينفجر فيها بركان العنف الانتخابي كما حدث في كثير من انتخابات ما قبل 25 يناير 2011 ليضيف عبئاً جديداً علي مصر وهي تحارب الإرهاب.
إن الاصطفاف الوطني لا يعني أبداً إلغاء التنوع والتعدد في المجتمع.. ولا يعني أبداً أن نفكر جميعاً بطريقة واحدة.. ولا يعني أن نتحول إلي مجتمع أحادي لا يقبل المنافسة ولا يتسع للرأي الآخر والصوت الآخر.. لأن المجتمع الأحادي مجتمع قاحل أجدب هش.. من السهل أن يتفرط عقده.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف