ايمن عبد الجواد
باختصار .. غير مصرح بالفشل
أخطر شيء يمكن أن يهدد الدولة ـ أي دولة ـ أن يصاب شبابها باليأس والإحباط ليفقدوا الأمل في المستقبل ويتحولوا من أدوات بناء إلي معاول هدم.
هذا هو حالنا.. دعونا لا نضع رءوسنا في الرمال. فالمصريون عانوا من الغربة داخل وطنهم علي مدار عقود في ظل غياب العدالة وتكافؤ الفرص. فالمناصب والوظائف الكبيرة وحتي الصغيرة ليست بالكفاءة أو الدرجة العلمية ولكن بحجم الواسطة أو الرشوة.
أبناء الكبار استحوذوا علي كل شيء بأموالهم ونفوذهم. وشبابنا يراقب في حسرة وألم وقلة حيلة بينما الفساد يضرب في كل اتجاه.. من الاقتصاد والسياسة.. إلي الفن والكرة.. وانتهاء بعالم البيزنس حيث فرض عدد من رجال الأعمال سيطرتهم علي البلاد والعباد. فبكلمة منهم تختفي السلع وتشتعل الأسعار وبكلمة منهم أيضاً تستقر وتهدأ الأوضاع.
هذا الواقع استسلم له "مبارك" تماماً خاصة في سنوات حكمه الأخيرة عندما سمح بتزاوج السلطة والمال وترك الحبل علي الغارب لعدد من رجال الأعمال.. ضمهم إلي الحزب الحاكم والحكومة والبرلمان وأصبح الفساد للركب مثلما قال أحد أعضاء الحزب الوطني المنحل بذات نفسه.
الخلاصة أن انتشار الفساد والمفسدين علي مدار عقود تسبب في فقدان الثقة لدي الشباب. فالقدوة الصالحة اختفت تماماً وحل محلها المرتشون ومنعدمو الضمير والأراجوزات الذين يرقصون علي كل الحبال وليس لهم مبدأ أو كلمة.
وأمام هذه المعادلة المختلة دخل الشباب "القوقعة" وقرروا مقاطعة الجميع. بالانزواء وعدم الاهتمام بما يجري في وطنهم أو بالاستجابة لعمليات غسيل المخ المستمرة ليكونوا هدفاً للجماعات التكفيرية أو بالهجرة وترك الجمل بما حمل.. وفي كل الأحوال أصبحت الدولة طاردة لأبنائها الذين نجحوا في كل بلاد الدنيا وفشلوا في وطنهم.
ولم يعد غريباً أن يتقدم تسعمائة ألف مصري بطلبات هجرة إلي الولايات المتحدة بينما المطلوب هو بضعة آلاف فقط كما ذكر القنصل الأمريكي منذ عدة أيام. مثلما لم يعد غريباً أن يموت خيرة شبابنا علي شواطئ العالم وهم يبحثون عن وطن يحتضنهم بعد أن ضاقت بهم السبل وأغلقت كل أبواب الأمل في وجوههم.
إعلان الدولة الحرب علي الفساد يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد. فمن ناحية يساهم في تطهير مؤسسات الدولة حتي تبدأ مرحلة الإصلاح والبناء. ومن ناحية أخري يبعث برسالة أمل للشباب مفادها أن الدولة جادة في توفير مناخ يحقق العدالة وتكافؤ الفرص. ومن ناحية ثالثة يوجه تحذيراً للفاسدين في كل موقع بدءاً بـ "الحيتان الكبار" وانتهاء بأصغر موظف لا ينهي مصالح الناس إلا بعد دفع المعلوم.
أمام الحكومة الجديدة برئاسة المهندس شريف إسماعيل فرصة ذهبية لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه لو نجحت في اقتلاع الفساد من جذوره. والتصالح مع الشباب وإخراجهم من القوقعة حتي يقوموا بدورهم في ضخ الحيوية والنشاط بشرايين مؤسساتنا وإعادة بناء الدولة التي يريدونها ونريدها.
وهي معركة غير مسموح فيها بالفشل أو التراجع حتي لو كانت الخسائر فادحة والثمن باهظاً.
تغريدة:
كلمة شكر واجبة للمهندس إبراهيم محلب. بذل كل ما في وسعه في مرحلة شديدة الصعوبة والحساسية.