المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. سيدي وزير الأوقاف
في حواره مع صحيفة "المصري اليوم" المنشور في عدد الثلاثاء الماضي قال الدكتور عبدالناصر نسيم وكيل وزارة الأوقاف "الجديد" بالإسكندرية: "أنا خادم لسيدي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.. وحيثما أمرني امتثل وأعمل.. كما أن كفاءتي هي التي جعلت الوزير يدفع بي في المهمات الصعبة".
وقال أيضاً: "سأطبق تعليمات الأوقاف بحذافيرها بخصوص الخطبة الموحدة والدروس الدينية.. ولن أرحم أي إمام يخالف الخطبة الموحدة.. سأقطع رقبة من يخالف القانون.. وهم يعلمونني جيداً ويخشونني".
هل لاحظت - مثلي - التناقض الكبير بين لغة الخطاب للسيد وكيل الوزارة في الفقرتين السابقتين.. في الفقرة الأولي هو خادم مطيع لسيده وزير الأوقاف.. ممتثل لأوامره.. وفي الفقرة الثانية هو فرعون قادر وقاهر.. يطبق التعليمات بحذافيرها.. يقطع الرقاب ولا يرحم أحداً ممن يخالفون القانون.. والناس يعرفونه جيداً ويخشونه.
هذا نموذج للمسئول رفيع المستوي الذي اصطادته "المصري اليوم" باعتباره حاملاً لخطاب غريب علي هذا العصر.. فمنذ زمن بعيد جداً جداً لم يعد هناك مسئول أدني في مصر يقول عن رئيسه الأعلي "سيدي" ولا يقول عن نفسه إنه "خادم".. هذه مفردات انقرضت من مصر منذ أن قال جمال عبدالناصر "كلنا سيد في ظل الجمهورية".. وربما منذ قال أحمد عرابي "لسنا عبيداً ولن نورث بعد اليوم".
لست أدري كيف ارتضي السيد وكيل الوزارة الذي يحمل لقب "دكتور" أن يستخدم في حواره لغة عفا عليها الزمن ومفردات مهينة.. وهو قد بلغ أرفع الدرجات العلمية.. ويؤكد لنا أن كفاءته هي التي جعلت الوزير يدفع به في المهمات الصعبة.
هل يتصور السيد وكيل الوزارة.. الذي من المحتمل أن يصبح وزيراً غداً أو بعد غد.. أن أحداً سيصدق أن كفاءته هي التي جعلت الوزير يدفع به في المهمات الصعبة بينما هو يضع نفسه في مرتبة خادم سيده الوزير.. المتمثل لأوامره؟!
أليس غريباً أن يتحدث السيد وكيل الوزارة بنعومة مفرطة ومبالغ فيها تجاه رئيسه الأعلي.. ويبدو كما لو كان متزلقاً خاضعاً.. بينما يتحدث بخشونة مفرطة ومبالغ فيها تجاه مرؤوسيه الذين سيطبق عليهم القانون بحذافيره.. يستخدم معهم لغة تهديدية متشددة.. ويبدو كما لو كان جباراً في الأرض.. يعرفه الناس ويخشونه.. كأنه الحجاج بن يوسف الثقفي؟!
ثم.. هل هذا هو النموذج الذي يصلح لمهمة تجديد الخطاب الديني وضبط الإيقاع في وزارة الأوقاف ومحاربة التطرف والإرهاب؟!.. وهل تصلح طريقته هذه في التعامل مع الأئمة وخطباء المساجد الذين هم بطبيعة عملهم قادة للرأي العام لهم مكانتهم العالية.. والناس تنظر إليهم علي أنهم قدوة حسنة ومصابيح للهداية.. فضلاً عن أنهم يحملون كتاب الله في صدورهم ويحملون العلم الشرعي في عقولهم؟!
إن إهدار مكانة العلماء بين الناس وتشويههم والنيل من كرامتهم.. وتصويرهم علي أنهم خدم متمثلين لسيدهم.. ولو كان سيدهم هو الوزير.. ليس في صالح الدعوة وانما في صالح المتطرفين الذين يعمدون دائماً إلي تكريس هذه الصورة السلبية للعلماء.
أعرف كثيراً من المسئولين في الأزهر الشريف وفي وزارة الأوقاف قدموا نماذج مشرفة في المواقع التي عملوا بها.. نجحوا وأثبتوا كفاءتهم في تطبيق القانون بالحب والاحترام والتقدير.. ليس لرؤسائهم فقط وانما لمرؤوسيهم أيضاً.. حيث أقنعوا هؤلاء المرؤوسين أن القانون واللوائح والتعليمات ليست سيوفاً فوق رقابهم وانما هي أدوات ووسائل لضبط العمل.. ولحمايتهم وحماية الشعب والوطن.. هي لصالحهم وليست ضدهم.. فلم ينفروا الناس من القانون ومن التعليمات ومن الوزير والوزارة كما فعل صاحبنا.
كيف تغير الحال علي هذا النحو.. وكيف عدنا إلي زمن المماليك؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف