الوفد
عباس الطرابيلى
«محلب».. وجزاء سنمار
انزعجت، كما انزعج معظم المصريين، مما حدث لحكومة المهندس إبراهيم محلب، حقيقة كان البعض يتوقع تغييراً في عدد من الوزراء.. ولكن المفاجأة كانت في تغيير الحكومة كلها، وتغيير رئيسها أيضاً، مهما قيل عن توقع إسناد منصب هام للمهندس «محلب»، حتي ولو كان مساعداً لرئيس الجمهورية للمشروعات الكبري، وهو منصب هلامي.. وما أبرعنا في «اختراع هذه المناصب أو المسميات».
<< نعم.. كان هناك بعض الوزراء فشلوا في أداء واجبهم الوزاري أو فشلوا في الاقتراب من الناس، وكان هذا يستدعي تغييرهم.. ولكن ليس تغيير الحكومة كلها، برئيسها، الذي أنقذه الله فعلاً من متاعب المنصب وأهوال المسئولية، والمؤكد ان الرجل لم يكن يستطيع النوم- مثل باقي خلق الله- إذ كان دائماً أول من يصل إلي موقع أي كارثة ليواجه المحنة ويشارك في الإنقاذ.
ثم: هل هذا وقت هذا التغيير الشامل، ونحن علي بعد أيام من أول انتخابات برلمانية لثورة 30 يونية.
<< ونتحدث عن طريقة تغيير الحكومة.. كان رئيس الحكومة ذاهباً للقاء الرئيس «السيسي» ليقدم له نتائج زيارته لتونس.. وربما ليعرض عليه تغيير بعض الوزراء الذين لم يحس الشعب بوجودهم.. فإذا بالرئيس يعرض عليه تقديم استقالته.. أي هي واقعياً قرار بإقالة كل الحكومة، برئيسها، وهنا أتذكر عملية إنهاء مشكلة المشير عبدالحكيم عامر عام 1967 عندما احتار الناس في الطريقة التي تم بها إزاحته.. وهل انتحر.. أم قُتِل، وهنا ابتدع الناس تعبيراً سافراً هو «استنحروه» أي انتحر بإرادتهم هم ولم ينتحر بإرادته الحرة!
وبعيداً عن أفضل لفظ أو تعيير في حالة حكومة المهندس إبراهيم محلب وهل ذهب ليقدم تقريراً، ففوجئ بإقالته، أو حسب التعبير الذي شاع «أخبره الرئيس» بقبول استقالته! وهي طريقة أراها شديدة القسوة علي الرجل الذي تحمل علي مدي 18 شهراً ما لم يتحمله أي رئيس للوزراء منذ عرفت مصر نظام الوزارة عام 1878 أيام الخديو «إسماعيل».
<< واعترف ان الرجل وقف عاجزاً أمام بعض المشاكل ربما بسبب عجز الدولة نفسها.. مالياً وإدارياً.. وتفشي الفساد الذي وصل إلي داخل إحدي الوزارات المهمة.. وهي الزراعة، وطالت الشائعات غيرها من وزارات الدولة.. ولكن ليس هكذا تتقرر الأمور خصوصاً مع رجل أعطي دون ملل، ولم ينتظر شكراً أو حمداً وان كنت واثقاً ان ما ناله الرجل من دعاء الناس الذين أنصفهم ووقف معهم.. هو ما كان يرضي الرجل النزيه.
<< ولكن هل هذا هو «جزاء سنمار» الذي ناله الرجل بعد فترة لم يكن ينام فيها الرجل أكثر من 4 ساعات، وطوال 18 شهراً، أم هو التطبيق العصري لمقولة مصرية عمرها مئات السنين تقول ان «آخر خدمة الغز.. علقة» والمقصود بالغز هنا هم الحكام المماليك، سواء كانوا حكاماً أقوياء.. أو بعد أن أصبحوا باطشين.
ولكل هذه الأسباب، ولغيرها، لابد من صدور توضيح، أو بيان شامل يقول للناس الحقيقة.. ويعلن الأسباب الحقيقية للإقالة أو الاستقالة.. وهل لها علاقة بفساد وزارة ووزير الزراعة.. أو لها سبب بضعف أداء بعض الوزراء.. وغيابهم تماماً عن خدمة الناس، وفي هذه الحالة كان الحل يكمن في تغييرهم.. خصوصاً وأن بيننا وبين انتخابات أول مجلس نواب «للثورة» أسابيع قليلة مما يعني أن عمر الحكومة الجديدة لن يستمر إلا شهرين، أو ثلاثة لحين اتضاح الرؤية بعد نتيجة هذه الانتخابات.
<< نقول كل ذلك حتي لا يقال لنا اننا أصبحنا دولة «لا تعيش لها حكومة، بدليل ان هذه الحكومة هي سابع حكومة لمصر منذ يناير 2011، ونقول أيضاً لأننا سوف نفاجأ باعتذار الكثيرين ممن سيتم ترشيحهم لشغل المناصب الوزارية فيها.. لأن الوزير- عندنا- أصبح فدائياً أي ربما يتم «حرقه» بقبوله الاشتراك في الحكومة، التي لن تعمر إلا أسابيع قليلة.. أم ان المصري يعشق لفظ معالي الوزير، حتي ولو كان عمره بالوزارة يوماً- وبضع ساعات- كما عشنا في آخر حكومة في عهد الملك «فاروق»- وهي حكومة أحمد نجيب الهلالي التي أدت اليمين الدستورية يوم 22 يوليو 1952 واستقالت صباح يوم 24 يوليو أي قامت ثورة يوليو ولم يكن قد مضي علي حكومة «الهلالي» سوي 18 ساعة وهي بالمناسبة الحكومة رقم 69 بين الحكومات المصرية منذ عصر «إسماعيل»!
<< بقيت كلمة أقولها لـ«محلب» بك، وهي ليست ضد المهندس شريف إسماعيل المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.. ولكنها كلمة حق لابد أن نقولها للمهندس إبراهيم محلب: لقد أديت أكثر مما توقع أي مخلص لمصر.. وأعطيت للوطن- في أحلك الأيام- وكان ذلك تضحية حتي بلحظات قليلة مع أسرتك.. وأنا- وكل المصريين- سوف نفتقد كثيراً أسلوبك في قيادة العمل التنفيذي رئيساً لحكومة مصر.. بل وسوف نفتقد «إنسانيتك» التي تتعامل بها مع المواطن.. أصغر مواطن.
لقد أعطيت.. دون انتظار لشكر أو مغنم.. ولن يرضينا أن تحصل علي أعلي وسام مصري.. أو أي منصب مهما كانت درجته.. فأنت أكبر من كل هذه أو تلك.
<< وكفاك دعوات كل المصريين.. فاهنأ بهذه الدعوات التي ترضي رجلاً في قيمة وعمل المهندس إبراهيم محلب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف