الوطن
د. محمود خليل
الدستور و " الشعب اللى على نياته "
ربما يكون للرئيس تحفظات على بعض مواد يشتمل عليها دستور 2014، لكن الحديث عنه من زاوية أن من وضعوا مواده كانوا على «حسن نياتهم» أمر عليه تحفظ. وقد تعجبت أشد العجب من هرولة عدد من أعضاء لجنة الخمسين إلى الدوران فى فلك ما قاله الرئيس، حيث تحدّث بعضهم عن أن الدستور به كثير من المواد المتناقضة والتى تستأهل التغيير، وأشار بعضهم إلى أن هذه الوثيقة تشتمل على آليات محددة لتغييرها حال الرغبة فى ذلك، وما أفهمه أن الدساتير لا تتغير إلا بعد مرور عدة أعوام -بل وربما عقود- على صدورها، نتيجة ظهور احتياجات جديدة لأجيال جديدة، أو قيام ثورة، كما حدث مع دستور 2012 الذى أعقب ثورة يناير، ودستور 2014 الذى تمت صياغته بعد 30 يونيو. ثمة مجموعة من التحفظات على الحديث عن الدستور بهذا الشكل، بغضّ النظر عن تعديله من عدمه.

أول هذه التحفظات أن دستور 2014 جاء بعد ثورة الشعب على الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسى، وقد ارتبط بعض من أسباب الغضب الشعبى على «مرسى» بالإعلان الدستورى الذى أصدره نهايات عام 2012، وبالتالى فدستور 2014 جاء كردة فعل مضادة لفكرة الاستحواذ فى المقام الأول، وبالتالى فقد اجتهد واضعوه، الذين يدمغه بعضهم بالتناقض الآن، فى توزيع السلطات والصلاحيات بداخله على عدد من الأطراف، وعدم تركيزها فى يد طرف واحد. وحتى أفضّ لك إشكالية التناقض بين ما كتبه أعضاء لجنة الخمسين وما يردده بعضهم الآن من أن الدستور كان يحتشد بالتناقضات، يكفى جداً أن أنبهك إلى حقيقة أن ضغوط الموقف ومقتضيات السياق السياسى التى سيطرت على المشهد السياسى فى مصر بعد ثورة يونيو 2013 هى التى فرضت على أعضاء الخمسين إخراجه على هذا النحو، والحديث الجديد الآن عن دستور «النوايا الحسنة» يعنى ببساطة أننا نعيش ظرفاً سياسياً مختلفاً، يتناقض مع أجواء إنتاج دستور 2014 التى كانت ترفض فكرة الاستحواذ!

التحفظ الثانى يرتبط بأن الدستور الذى يوصف اليوم بدستور «النوايا الحسنة» وافق عليه الشعب «اللى على نياته» فى استفتاء شارك فيه أكثر من 38 مليون مواطن، وأيده منهم نسبة تزيد على 98% (تبعاً للأرقام الرسمية)، هذه الملايين لا بد أن تُحترم اختياراتها ورغباتها. ولا أجد أى منطق فى التعامل باستخفاف مع اختيارات الناس، أو اتهامهم بعدم الدقة أو التوفيق فى الاختيار، انطلاقاً من أن أعضاء لجنة الخمسين أنفسهم كانوا على نياتهم! هذا الكلام عليه تحفظ كبير، ولا أجده يصب فى صالح المشهد السياسى الحالى.

أى حديث عن تعديل دستور 2014 الآن أجده سابقاً لأوانه، فذلك الدستور هو الذى انتُخب رئيس الجمهورية على أساسه، وهو الدستور الذى تستند إليه انتخابات مجلس النواب، وليس من المنطق أن يدور هكذا حديث قبل الانتخابات البرلمانية التى تشكل الخطوة الثالثة من خطوات خارطة الطريق التى كان دستور «النوايا الحسنة» خطوتها الأولى!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف